لم يخلُ الشعر العربي من جميع ألوان الكتابة من غزل ونسيب وفخر وهجاء وأيضاً حزن ورثاء وألم وتعاسة وكما قمنا سابقاً بجمع بعض ألوان الشعر في مواضيع مستقلة مثل
نجمع اليوم مجموعة من الأبيات هي أبلغ ما قيل في الحزن والألم والتعاسة في الشعر العربي
والبداية مع
الشاعر السوداني الرقيق إدريس جماع حيث قال:
إن حظى كدقيقٍ فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعُبَ الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه
إن من أشقاه ربى كيف أنتم تُسْعِدُوه
وأبو القاسم الشابي حين قال:
مَا لي وَجَمْتُ وكلُّ مَا في الغابِ مُغْتَرِدٌ طَروبْ
مَا لي شَقِيتُ وكلُّ مَا في الكونِ أَخَّاذٌ عَجيبْ
في الأَرضِ أقدامُ الرَّبيع تُلامِسُ السَّهْلَ الجَديبْ
فإذا به يحيا ويُنْبِتُ رائقَ الزَّهرِ الرَّطيبْ
وهُناكَ أَنْوارُ النَّهارِ تُطِلُّ مِنْ خَلْفِ الغُروب
فَتُخَضِّبَ الأمواجَ والآفاقَ والجَبَل الخَصيبْ
إنَّ الوُجودَ الرَّحْبَ والغَاباتِ والأُفقَ الخَضيبْ
لمْ يَخْبو أشواقُ الحياةْ بها فَغَادَرَها القُطُوبْ
أمَّا أنا فَفَقَدْتُها واللَّيلُ مُرْبَدٌّ رَهيبْ
والرِّيحُ تَعْصِفُ بالورود فعِشْتُ سُخْرِيَةَ الخُطوب
مهما تَضَاحَكَتِ الحياةُ فإنَّني أبداً كَئيبْ
أُصْغي لأَوجاعِ الكآبَةِ والكآبَةُ لا تُجيبْ
في مهْجَتي تَتَأوَّهُ البَلْوى ويَعْتَلِجُ النَّحيبْ
ويَضُجُّ جبَّارُ الأسى وتَجيشُ أمواجُ الكُرُوبْ
إنِّي أنا الرُّوحُ الَّذي سيظَلُّ في الدُّنيا غَريبْ
ويَعيشُ مُضْطَلِعاً بأحزانِ الشَّبيبَةِ والمَشِيبْ
أما (شيخ الشعراء) الشاعر الأردني سعيد يعقوب فيقول:
فَرُوحِيْ فِيْ شِبَاكِ الهَمِّ أَمْسَتْ
كَمَا شَاءَتْ لَهَا البَلْوَى أَسِيرَةْ
وَقَلْبِيْ لَمْ يَعُدْ رَوْضَاً نَضِيرَاً
صَقِيعُ اليَأْسِ لَمْ يَرْحَمْ زُهُورَهْ
تَغَشَّانِيْ الأَسَى مِنْ كُلِّ صَوْبٍ
وَيَا للهِ مَا أَقْسَى حُضُورَهْ
فَلَسْتُ أَزُورُ إِلَّا لِاضْطِرَارٍ
وَلَسْتُ أَقُولُ إِلَّا لِلضَّرُورَةْ
ومن زمن الفن الجميل سبق
العقاد الجميع ورثى نفسه بقصيدة قال فيها
وما النعش إلا المهد.. مهد بنى الورى
فلا تُحزنوا فيه الوليد المغيبا
إذا شيعتمونى يوم تأتى منيتى
وقالوا أراح الله ذاك المعذبا
فلا تحملونى وأنتم صامتون إلى الثرى
فإنى أخاف القبر أن يتهيبا
ولا تذكرونى بالبكاء وإنما
أعيدوا على سمعى القصيد فأطربا
أما الشاعر المصري الكبير
عبد العزيز جويدة فقد أطربنا بقصيدته
ستموت محزوناً كأمك التي قال في مقطع منها:
ستموتُ محزونًا كأمِّكَ
مثلما ماتَ الرِّعاعْ
ونظلُّ نسألُ بعدَ موتِكَ
يا تُرى
لِمَ جئتَ يومًا للحياةِ بغيرِ داعْ
كم لحظةً مرتْ بنا يا هل تُرى
منذُ اللقاءِ إلى الوداعْ ؟
تلكَ الحياةُ بطولِها وبعرضِها
انظرْ إلى أعماقِها
هي ضَحلةٌ من غيرِ قاعْ
قد جئتُها وتركتُها
ماذا أخذتَ من الحياةِ
سوى الصداعْ ؟