"دخلتُ إلى قاعةِ التّدريب متأخراً، وانطلقت بخجل إلى المقاعدِ الخلفيّة لأجلسَ وأواري ما تبقى من خجلي خلف الرؤوس المصفوفة متهرباً من نظرات المحاضر الّلوامة ، جلستُ بجانبه، يومٌ طويلٌ ينتظرنا، ومحاضرٌ مملّ، حتّى الدقائق والثواني هربت من القاعة لتذرنا والساعة تتمطى كجمل عجوز، تحدثت معه قليلاً وانطلق يحكي عن حياته السابقة ويريني صوراً في هاتفه المحمول حتّى استوقفته صورة عتيقة في هاتفه لم تكن في الحسبان، توقف قليلا، تنهّد ثم أكمل يدفع الصوّرة يساراً كأنه يرميها خلف كتفه، أبى عليه ابهامه إلّا أن يعيد الصّورة مرة أخرى من خلف كتفه اليسرى، توقف والتفت إلي وقال: هذه ليلى!"
****
ذكرَ الحبيبةَ حينَ مرَّ بصورةٍ
في الهاتفَ المحمولِ ثمّ تذكّرَا
أيّامهُ وصِحابهُ.. ضَحكاتهمْ
عهداً تولّى لا يسيرُ القهقرَى
وبقيّةً قدْ أُودعَتْ بفؤادِهِ
تركَتهُ ناقفَ حنْظلٍ مُتحسّرا
هيَ هكذا الأيّامُ ليسَ لشربها
صفوٌ وإنْ طالَ الصّفاءُ تكدّرا
جُبلَ ابن آدمَ ساخطاً متذمّراً
لا شيءَ يملأُ عينَهُ إلّا الثّرى
يشكو زمانهُ ثمّ يبكيهِ غداً
شتّانَ بينَ الذّكرياتِ وما جرى
لمعتْ عيونُ مُحدّثي، فرأيتُ في
عينيهِ طيفاً بالتماعتها انبرى
فسألتهُ منْ طيفُ هاتيكَ الّتي
سكنتْ بقلبكَ قبلَ عينكَ يا ترى؟
فعلامةُ العشّاقِ قلبٌ مرهفٌ
طرفٌ يرفُّ بسهدهِ متحيّرا
ليعودَ مكسورَ الجناحِ بليلهِ
لا اصطاد نوماً أو غزالاً أحورا
والحبُّ ما استوفى نصيبَ مسهّدٍ
إلّا وضمّخَ تحت جفنيهِ الكرى
فيفوحُ ليلُ السّهدِ منْ أجفانهِ
هوَ أوَلُ الواشينَ عنْهُ تخَبّرَا
ليلى.. ودافعَ غصّةً في حلقهِ
عبثاً يغالبٌ عبرةً، واستعبرا
عبثاً أحثّ خطايَ في أعقابها
مثلَ السّراب إذا دنوت تبخّرا
عامان هذا ثالثٌ لم ينطوي
بعدُ، ولكنّي بليتُ تصبّرا
والصّبرُ ثوبٌ كلّما رقّعتهُ
شطّ المزارُ فقدّ ثوبي من ورَا
أشتاقُ وهيَ أمامَ عيني لم تغبْ
كيفَ اشتياقي واللقاءُ تعذّرا؟
ليلايَ من هطلتْ بعمري صيّباً
فاخضرّ من ليلى الفؤادُ وأزهرا
بنتٌ إذا ابتسمت ببارق ثغرها
خلتُ النجومَ قد استحالت ضمّرا
تزهو بقدٍّ أهيفٍ ومهفهفٍ
رشأٌ بمشيتهِ يميسُ تبخترا
لدنٌ غضيضٌ فالإهاب إخالهُ
من رقّة الماءِ الزلالِ استعورا
سمراءُ ما هبَّ النّسيمُ مشرّقاً
إلّا وجدتُ بها النسيمُ تعطّرا
"سمراءُ غنّاها الجمالُ ترنّماً
خلقَ الجمالُ على الجميلةِ أسمرا"*
لم ينئ عنّي طيفها رغمَ النّوى
لكأنّها تأوي بعيني في الكرى
حمّلتُ أوزار المحبّة فاصطنعت
الحبّ عجل ّ السّامريِّ وما ذرى
حتّى غدوتُ بإثرها كالسّامريِّ
وراءها أمشي وأقبضُ ما أرى
فبصرتُ ما لم يبصروا ونبذت ما
لم ينبذوا في القلبِ مسحور الثّرى
وعبدتُ وهماً باركتهُ ضلالتي
قد سوّلتْ نفسِي وذلكَ ما جرَى
فأحيلَ بينا في الحياةِ فلا مساسَ
وذكرياتيَ استحالتْ مِجْمرَا
طرفٌ كليلٌ عن سوايَ أحدُّ من
صلتٍ يُسلُّ على العصاةِ مكبّرا
أودعتهمْ قلبي فخانوا عهدهُ
طبعُ الغواني أن تخونَ وتغدرا
مع أنّهُ جارٌ لهم ونزيلهمْ
يا كيفَ أُهدِرَ في الجوارِ وأخفرا ؟
لم يبق لي إلّا صُداعي صاحباً
ألفيتهُ أوفى الخليقةِ معشرا
لمَ هكذا حظّي عييٌّ عاثرٌ
ما سارَ إلّا واقفاً أو مدبرا ؟
لكأنّهُ بسعادتي مستكثرٌ
لم هكذا حظّي عليَّ استكثرا ؟
هيَ هكذا الأقدارُ، نؤتاهُ الّذي
لا نهتويهِ ومن نُودُّ تنفّرا !
من يشتري حظّي ليصبحَ حظّهُ
فاز الّذي يشري وخاب من اشترى
_____________________
"سمراءُ غنّاها الجمالُ ترنّماً
خلقَ الجمالُ على الجميلةِ أسمرا"
*مُقتبس من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي
****
ذكرَ الحبيبةَ حينَ مرَّ بصورةٍ
في الهاتفَ المحمولِ ثمّ تذكّرَا
أيّامهُ وصِحابهُ.. ضَحكاتهمْ
عهداً تولّى لا يسيرُ القهقرَى
وبقيّةً قدْ أُودعَتْ بفؤادِهِ
تركَتهُ ناقفَ حنْظلٍ مُتحسّرا
هيَ هكذا الأيّامُ ليسَ لشربها
صفوٌ وإنْ طالَ الصّفاءُ تكدّرا
جُبلَ ابن آدمَ ساخطاً متذمّراً
لا شيءَ يملأُ عينَهُ إلّا الثّرى
يشكو زمانهُ ثمّ يبكيهِ غداً
شتّانَ بينَ الذّكرياتِ وما جرى
لمعتْ عيونُ مُحدّثي، فرأيتُ في
عينيهِ طيفاً بالتماعتها انبرى
فسألتهُ منْ طيفُ هاتيكَ الّتي
سكنتْ بقلبكَ قبلَ عينكَ يا ترى؟
فعلامةُ العشّاقِ قلبٌ مرهفٌ
طرفٌ يرفُّ بسهدهِ متحيّرا
ليعودَ مكسورَ الجناحِ بليلهِ
لا اصطاد نوماً أو غزالاً أحورا
والحبُّ ما استوفى نصيبَ مسهّدٍ
إلّا وضمّخَ تحت جفنيهِ الكرى
فيفوحُ ليلُ السّهدِ منْ أجفانهِ
هوَ أوَلُ الواشينَ عنْهُ تخَبّرَا
ليلى.. ودافعَ غصّةً في حلقهِ
عبثاً يغالبٌ عبرةً، واستعبرا
عبثاً أحثّ خطايَ في أعقابها
مثلَ السّراب إذا دنوت تبخّرا
عامان هذا ثالثٌ لم ينطوي
بعدُ، ولكنّي بليتُ تصبّرا
والصّبرُ ثوبٌ كلّما رقّعتهُ
شطّ المزارُ فقدّ ثوبي من ورَا
أشتاقُ وهيَ أمامَ عيني لم تغبْ
كيفَ اشتياقي واللقاءُ تعذّرا؟
ليلايَ من هطلتْ بعمري صيّباً
فاخضرّ من ليلى الفؤادُ وأزهرا
بنتٌ إذا ابتسمت ببارق ثغرها
خلتُ النجومَ قد استحالت ضمّرا
تزهو بقدٍّ أهيفٍ ومهفهفٍ
رشأٌ بمشيتهِ يميسُ تبخترا
لدنٌ غضيضٌ فالإهاب إخالهُ
من رقّة الماءِ الزلالِ استعورا
سمراءُ ما هبَّ النّسيمُ مشرّقاً
إلّا وجدتُ بها النسيمُ تعطّرا
"سمراءُ غنّاها الجمالُ ترنّماً
خلقَ الجمالُ على الجميلةِ أسمرا"*
لم ينئ عنّي طيفها رغمَ النّوى
لكأنّها تأوي بعيني في الكرى
حمّلتُ أوزار المحبّة فاصطنعت
الحبّ عجل ّ السّامريِّ وما ذرى
حتّى غدوتُ بإثرها كالسّامريِّ
وراءها أمشي وأقبضُ ما أرى
فبصرتُ ما لم يبصروا ونبذت ما
لم ينبذوا في القلبِ مسحور الثّرى
وعبدتُ وهماً باركتهُ ضلالتي
قد سوّلتْ نفسِي وذلكَ ما جرَى
فأحيلَ بينا في الحياةِ فلا مساسَ
وذكرياتيَ استحالتْ مِجْمرَا
طرفٌ كليلٌ عن سوايَ أحدُّ من
صلتٍ يُسلُّ على العصاةِ مكبّرا
أودعتهمْ قلبي فخانوا عهدهُ
طبعُ الغواني أن تخونَ وتغدرا
مع أنّهُ جارٌ لهم ونزيلهمْ
يا كيفَ أُهدِرَ في الجوارِ وأخفرا ؟
لم يبق لي إلّا صُداعي صاحباً
ألفيتهُ أوفى الخليقةِ معشرا
لمَ هكذا حظّي عييٌّ عاثرٌ
ما سارَ إلّا واقفاً أو مدبرا ؟
لكأنّهُ بسعادتي مستكثرٌ
لم هكذا حظّي عليَّ استكثرا ؟
هيَ هكذا الأقدارُ، نؤتاهُ الّذي
لا نهتويهِ ومن نُودُّ تنفّرا !
من يشتري حظّي ليصبحَ حظّهُ
فاز الّذي يشري وخاب من اشترى
_____________________
"سمراءُ غنّاها الجمالُ ترنّماً
خلقَ الجمالُ على الجميلةِ أسمرا"
*مُقتبس من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي