مسافرة بلا أشياء - عبد العزيز جويدة

0

أنا الكلماتُ تحترقُ ..
على شفَتي
وأنفاسي تَهُبُّ كمثلِ نيرانٍ على رئتي
أنا قلتُ : مساءُ الخيرِ يا أمي
وما ردَّتْ
تُراها قد نسَتْ لغتي ؟
فتحتُ البابْ ،
وأغلقتُ .. ورائي البابْ
ونادتْني ليالي الأمسِ والأحبابْ
وحييتُ الذي يجلسْ ..
جواري دائمًا أبدًا :
مساءُ الخير يا حزني
فردَّ الحزنُ بالترحابْ
****
تذكرتُ ..
هنا وجهَكْ
ووجهُكِ طلَّةٌ من نورْ
وقلبًا يُشبهُ البلُّورْ
وتسبيحًا وتكبيرًا
وعطرَ بخورْ
تذكرتُ ..
هنا التنورْ
وخبزًا جافْ
وظِلَّ شُجيرةِ الصفصافْ
وضمَّةَ صدرِكِ الحاني
على طفلٍ رضيعٍ خافْ
تذكرتُ ..
دعاءَكِ في صلاةِ الفجرْ
تذكرتُ الكلامَ الحلوَ في يومٍ
تذكرتُ الكلامَ المرْ
ويومَ سألتِني مرَّةْ
عن الموتِ ،
وأولِ ليلةٍ في القبرْ
وعن حالِ السنينَ هناكْ ،
وكيفَ تمُرّ ؟
ومرَّ العمرْ
وصارَ المرُّ في حلقي
هناكَ أمَرّ
وظلَّ السرُّ مطويًا
وخلفَ السرّ
أنا مازلتُ يا أمي على قبرِكْ
هنا طفلاً ..
يبيعُ الصبرْ
أُناديكِ
وأنتظرُ .. يجيءُ الردّ
وأصبحَ بيننا سدٌ
وماذا خلفَ هذا السدّ
بدأْنا العدّ
أنا طفلٌ حديثُ العهدِ باليُتمِ
ولا أدري وماذا بعدْ
فمنْ بعدَكْ ..
عليَّ يرُدْ ؟
ومَن بعدَكْ ..
إذا قبَّلتُ كفَّيهِ..
أذوقُ الشهدْ ؟
ومن يمسحْ ..
على رأسي إذا أأسى ؟
ومن بعدَكْ ..
يُقبِّلُني لكي أنسى ؟
ومن في الصبحِ أشتَمُّ ..
بأنفاسِهْ ..
عبيرَ الوردْ ؟
****
دخلتُ الآنَ حجرتَكِ
وجدتُ النورَ قد غادَرْ
وطيبَكِ من هنا سافَرْ
سألتُ النورَ عن شيءٍ هنا ترَكَهْ
لماذا البيتُ ما عادَ
فلا صوتٌ ولا حرَكَةْ
ولا خيرٌ ولا بركَةْ ؟
هنا مازالَ مقعدُكِ
وصوتٌ من كلامِ الأمسْ
جميعًا كنَّا ننتظرُكْ
فهُلِّي مثلما أنتِ
فقد كنتِ ..
هنا بالأمسْ
وبينَ اليومِ والأمسِ
تغيَّرْنا
فلا شكلٌ ولا لونٌ ،
ولا طعمٌ ولا مَعنى
ولا أنتِ ..
هنا معَنا
لأوَّلِ مرَّةٍ في العمرِ يا أمي
نذوقُ اليُتمَ أجمعَنا
نُغمِّسُ خبزَنا اليابسْ ..
بأدمُعِنا
هنا بخَّاخةُ الربوِ ، ومِسبحَتُكْ ،
وطرحتُكِ ، وسجَّادَةْ ،
ومِذياعٌ صغيرٌ
يقرأُ القرآنَ كالعادَةْ
أتى العيدُ ولم يطرُق ْ على بابي هنا أحدٌ
تعجَّبتُ ..
تُرى قد جاءَ هذا العامُ يا أمي
بلا أعيادْ ؟
ولم أسمعْ هنا صوتَكْ ..
يُناديني
فناديتُ ... وناديتُ ...
وخوفٌ داخلي يزدادْ
فأين فُطورُنا أينَ
وأينَ جميعُ من في البيتِ
يلتفُّونَ من حولِكْ ؟
هنا كنَّا على ميعادْ
هنا في البهوِ ننتظرُكْ
وهذا المِقعدُ الخالي
أُحدِّقُ فيه ..
ويقتُلُني سؤالٌ دارَ في بالي
طرقتُ البابَ لم أسمعْ ..
هنا صوتَكْ
وناديتُ : أيا أمي .. أيا أُمي
فتحتُ البابَ في صمتٍ
سريرُكِ ها هنا خالِ
وِسادتُكِ ، وجلبابُكْ ، ومسبحتُكْ ،
وبسمتُكِ .. دُعابتُكِ ،
ومصروفٌ لأطفالي
وأدويةٌ مُبعثرةٌ
سؤالُكِ دائمًا عني
وعن حالي
ورُقيتُكِ ، ودعوتُكِ
ونومي فوقَ رُكبتِكِ
ونظرتُكِ ، وضمَّتُكِ ، وقُبلتُكِ
وحضنٌ فيه آمالي
بأن أرتاحَ من تعبي ، وترحالي
تساقطْتُ ..
على الأرضِ
لأنَّ العجزَ قد دبَّ ..
بأوصالي
****
أُحسُّكِ دائمًا قربي تُناديني
بكلِّ مساءْ
فأجري نحوَ غُرفتِكِ
بكوبِ الماءْ
وقُرصِ دواءْ
فلا أجدُكْ ...
أضمُّكِ داخلي وأذوبْ
فلا يَبقى هنا منِّي ولا منكِ
سوى أنَّا
فَناءٌ ذائبٌ بفناءْ
وقد أعطيتِني روحًا
فحلَّقتُ ..
أنا معَكِ
بكلِّ سماءْ
فيا أمي التي اختصرَتْ بداخلِنا ..
مواسمَنا
فصرنا والسنينَ بكاءْ
مُسافرةٌ إلى أينَ حبيبَتَنا
مسافرةٌ بلا أشياءْ
حقيبتُكِ التي كانتْ
تُسافرُ دائمًا معَكِ
نراها لا تُطيقُ بقاءْ
ضَحكْتِ علينا واللهِ
وسافرتِ على استحياءْ
بغيرِ وداعْ
وسافرتِ ..
لأبعدِ نُقطةٍ في الكونِ سافرتِ
بلا أشياءْ
سِوى زادٍ من التقوى ،
وإيمانٍ كنبعِ الماءْ
تُراكِ الآنَ يا أمي
بأيِّ سماءْ ؟
****
وتعبسُ حولنا الأشياءُ معلنةً
قدومَ الموتْ
قطارٌ سوفَ يحملُنا لبلدانٍ
ونجهلُها
نسميها بلادَ الصمتْ
لدارٍ غيرِ تلكَ الدارِ يا أمي
وبيتٍ غيرِ هذا البيتْ
أُناديكِ
وأصرخُ دائمًا وحدي
بأعلى صوتْ
رجوتُكِ أن تجيبيني
وأن تَبقَيْ هنا معَنا
لبعضِ الوقتْ
****
أنا أمسكتُ بالهاتِفْ
لأطلبَ نفسَ أرقامِكْ
فكم يأتي جميلاً رائعًا ردُّكْ
إذا كانتْ مهاتفتي
مفاجأةً،
وما دارتْ بحسبانِكْ
بكِلْماتٍ تُزلزلُني ..
تردِّينَ
وتختصرينَ قاموسًا
من الكلِماتِ في ذلكْ
أُحسُّ بقلبِكِ الملهوفِ ينصهرُ
عطاءً مُرهقًا جدًّا
يُغالبُ ما بإمكانِكْ
فأيُّ حكايةٍ أنتِ
وكلُّ منابعِ الحبِّ
تصُبُّ الحُبَّ في ذاتِكْ
أنا من جَمِّ تقديسِكْ وإجلالِكْ
فلو كانَ ..
لغيرِ اللهِ مسموحٌ بأن أسجُدْ
لعشتُ العمرَ يا أمي
لأسجدَ عندَ أعتابِكْ
أنا مازلتُ والهاتِفْ
وعشرونَ محاولَةً
فرُدِّي مثلما كنتِ
وصُبِّي داخلَ الشريانِ تَحنانَكْ
فهذا اليومُ عيدُ الأمِّ يا أمي
وأغنيةٌ أنا قد عشتُ أعشقُها
وأنتِ السرُّ في ذلكْ
أتى العيدُ
وهاتفُكِ يرنُّ ولا تُجيبينَ
هداياكِ أتتْ من كلِّ أحبابِكْ
ولكنْ لم نكنْ ندري
بأنَّكِ دونَ أن ندري
هنا غيَّرْتِ عنوانَكْ
****
أنا الندمانُ من رأسي إلى قدمي
أنا ندمي
على أني تركتُكِ لحظةً في العمرِ
ما كنتِ معي فيها
فعودي لي وأُقسِمُ لَكْ
بأني كلُّ أيامي سأقضيها
لأجلسَ تحتَ أقدامِكْ
أُقبِّلُها وأحملُها على رأسي
أُهدهدُها ، أُغطيها
فقد خدعتْني أيامي
ورحلةُ عمرِنا مرَّتْ
ولم أعرفْ
تواعَدْنا على شيءٍ
أنا واللهِ لم أُخلِفْ
ولكنْ أخلفَ الموتُ ..
الذي في لحظةٍ يَخطَفْ
تخيَّلتُ ..
بأن العمرَ ممتدٌّ
وأن هناكَ متسعًا من الأيامْ
وكم كانتْ لدينا هاهنا أحلامْ
رأيتُ الموتَ في عينيكِ في يومٍ
ولكنْ خلتُها أوهامْ
حكيتِ لنا عن الماضي
تركتِ بداخلي جرحًا
كألفِ علامةِ استفهامْ
ومرَّ الوقتُ لم نُكملْ
وقد قلنا :
غدًا إن شاءَ نستكملْ
وجاءَ الغدُّ يا أمي
وهاأنذا وحيدًا ، ضائعًا ، مُهمَلْ
فبعدَكِ يا أحبَّ الناسْ
بهذا القلبِ من بعدِكْ
أنا ماذا بهِ أفعلْ
***
جميلٌ كلُّ شيءٍ فيكِ يا أمي
جميلٌ كلُّ شيءٍ كانْ
بحقٍّ كنتِ رائعةً ، ويافعةً ،
ويانعةً كما البستانْ
رأيتُكِ بسمةً تمتدُّ شلالاً
وتسكنُ مدخلَ الشريانْ
حنانُكِ عالمٌ يمتدُّ داخلَنا بلا آخِرْ
بحورٌ ما لها شطآنْ
وجودُكِ وحدَهُ كافٍ
ليبعثَ داخلي اطمئنانْ
ففي كفيكِ يا أمي
شطوطُ أمانْ
أُحسُّكِ رغمَ ما فيكِ
كأنكِ قد فرشتِ الأرضَ
من تحتِ البشرْ ..
أحضانْ
صلاحٌ ما لهُ آخِرْ
وأنتِ كروضةٍ كبرى من الإحسانْ
تصالحتِ معَ الناسِ
فما أغضبتِ في يومٍ هنا إنسانْ
وما يومًا طلبتِ متاعَ دنيانا
فما شيءٌ على قلبِكْ ..
لهُ سلطانْ
تعلَّقتِ بحبلِ اللهِ في صبرٍ
وكنتِ بكلِّ نائبةٍ لكِ البرهانْ
يجيءُ الفجرُ يسألُني
يدقُّ البابَ في خجلٍ
كطفلٍ تائهٍ حيرانْ
ويجلسُ ينزوي وحدَهْ
ويسألُ عنكِ يا أمي
فصوتُ مؤذنِ الفجرِ
هنا قد حانْ
فلا صوتٌ لهذا البيتِ من بعدِكْ
فأينَ الآنَ همهمتُكْ
بتسبيحٍ وترتيلٍ من القرآنْ
فقدناكِ .. على غِرَّةْ
وسافرتِ ..
ولا ندري لأيِّ مكانْ
لأوَّلِ مرَّةٍ في العمرِ تغتربينَ يا أمي
وسافرتِ ..
إلى الأبدِ ..
بلا استئذانْ

نزل الأسى فوق الأسى - رثاء السلطان سليمان لأمه السلطانة حفصة في مسلسل حريم السلطان

1

لا ترحلى ابقى هنا لتشرق الشمس كل يوم
ابقى هنا كى يزهر الربيع كل عام
ابقى هنا كى يبقى القمرُ يزين السماء
ابقى كى تبقى المحبة موجودة بيننا
ابقى هنا كى تبقى الفرحةُ تعم ديارنا


القصيدة للشاعر السوري  د. محمود السيد الدغيم

1 : نَزَلَ الأَسَىْ فَوْقَ الأَسَىْ بِدِيَاْرِيْ
وَ امْتَدَّ كَالطُّوْفَاْنِ ؛كَالإعْصَاْرِ

فَجَدَاْوِلُ الدَّمْعِ الْغَزِيْرِ كَثِيْرَةٌ
تَجْرِيْ عَلَى الْوَجنَاْتِ كَالأَنْهَاْرِ

وَ بِكُلِّ عَيْنٍ عَيْنُ دَمْعٍ لَوْنُهَاْ
يُغْنِيْ عَنِ الإِعْلاْنِ ؛ وَ الإِسْرَاْرِ

فَعِبَاْرَةُ الدَّمْعِ الْهَتُوْنِ بَلِيْغَةٌ
وَ فَصِيْحَةُ الأَخْبَاْرِ ؛ وَ الأَشْعَاْرِ

تَرْوِيْ تَفَاْصِيْلَ الْحِكايةِ جَهْرَةً
وَ تُذِيْبُ قَلْبَ الصَّاْبِرِ الْجَبَّاْرِ

وَ تُوحِّدُ الإِدْرَاْكَ رَغْمَ تَبَايُنٍ
بِمَشَاْعِرِ الأَهْلِيْنَ ؛ وَ الزُّوَّاْرِ

فَتَسُوْدُ حالاتُ الذُّهُوْلِ ؛ لِمَاْ جَرَىْ
أَوْ شَاْعَ بَيْنَ النَّاْسِ مِنْ أَخْبَاْرِ

وَ يَلُوْذُ بَعْضُ النَّاْسِ بِالسَّرْدِ الَّذِيْ
غَطَّىْ عَلَىْ مَاْ جَاْءَ فِي الأَسْفَاْرِ

فَيُصَوِّرُوْنَ نَوَاْزِلَ الْمَوْتِ الَّتِيْ
تُنْبِيْ عَنِ الْمَكْتُوْبِ فِي الأَقْدَاْرِ

10 : وَ الْمَوْتُ حَقٌّ ، وَ الْحَيَاْةُ قَصِيْرَةٌ
مَهْمَا اسْتَطَاْلَتْ مُدَّةُ الأَعْمَاْرِ

كَمْ أَخْبَرَ الرُّكْبَاْنُ عَنْهُ ؛ وَ حَدَّثُواْ
عَنْ مُقْلَةٍ عَبْرَىْ ؛ وَ دَمْعٍ جَاْرِ

مَاْ بَيْنَ صَرْخَةِِ مَوْلِدٍ فِيْ فَرْحَةٍ
وَ عَوِيْلِ نَاْدِبَةٍ ، وَ شَقِّ إِزَاْرِ

مَاْ بَيْنَ بَاْكِيَةٍ ؛ وَ بَاْكٍ بَعْدَ مَاْ
نَفِذَ الْقَضَاْءُ ؛ بِغَيْرِ مَاْ إِشْعَاْرِ

نَفِذَ الْقَضَاْءُ ، فَلَمْ تُكَفْكَفْ دَمْعَةٌ
فَيَّاْضَةٌ مِنْ أَدْمُعِ الأَبْرَاْرِ

دَمْعُ الْعُيُوْنِ عَلَى الْخُدُوْدِ قَصَاْئِدٌ
تُتْلَىْ عَلَى الْجَدَّاْتِ ؛ وَ الأَبْكَاْرِ

وَ النَّاْسُ تَلْهُوْ ، أَوْ تُفَكِّرُ ؛ إِنَّمَاْ
حُكْمُ الْقَضَاْءِ يُطِيْحُ بِالأَفْكَاْرِ

وَ يُحَوِّلُ الْفَرَحَ الْمُغَرِّدَ مَأْتَماً
يَرْمِيْ قُلُوْبَ النَّاْسِ فِي الأَعْشَاْرِ

يَرْمِي الْقُلُوْبَ بِغُصَّةٍ فَتَّاْكَةٍ
مَكْشُوْفَةٍ عُظْمَىْ بِغَيْرِ سِتَاْرِ

فَإِذَاْ بِأَلْحَاْنِ الْقُلُوْبِ حَزِيْنَةٌ
وَ الْحُزْنُ يُشْجِيْ نَغْمَةَ الأَوْتَاْرِ

20 : وَ يُبَدِّلُ الَّلحْنَ الطَّرُوْبَ مَنَاْحَةً
و يُنَغِّصُ الأَفْرَاْحَ بِالأَكْدَاْرِ

وَ يُشَتِّتُ الشَّمْلَ الْمُجَمَّعَ – فَجْأَةً -
بِجُمُوْعِهِ ، وَ بِجَيْشِهِ الْجَرَّاْرِ

و يُحَيِّرُ الْعَلَمَ الْحَلِيْمَ بِحِلْمِهْ
فَيَجُوْلُ كَالذَّرَاْتِ فِي الإِعْصَاْرِ

وَ يُكَاْبِدُ الآلاْمَ - فيْ أَحْزَاْنِهِ -
مُتَضَاْرِبَ الأَفْكَاْرِ فِي الدَّوَاْرِ

وَ يَقُوْلُ أَقْوَاْلاً - لِيَشْرَحَ مَاْ جَرَىْ -
بِالسِّرِّ ؛ وَ الإِعْلاْنِ ؛ بِالتَّكْرَاْرِ

وَ يُجَسِدُ الْحَدَثَ الأَلِيْمَ بِقَوْلِهِ :
- لِجَمَاْعَةِ الْغُيَّاْبِ و الْحُضَّاْرِ –

صَمْتاً ؛ سَأَشْرَحُ مَاْ لَقِيْتُ ؛ وَ مَاْ جَرَىْ
فِيْ عَاْلَمِ الْعُقَلاْءِ ؛ وَ الأَغْمَاْرِ

قَبَّلْتُ أُمِّيْ – حِيْنَمَاْ وَدَّعْتُهَاْ –
وَ رَحَلْتُ ؛ وَ الْعَيْشُ الْكَرِيْمُ شِعَاْرِيْ

أَبْحَرْتُ فِيْ بَحْرِ الْهُمُوْمِ ، وَ لَمْ أَزَلْ
- يَاْ نَاْسُ - مَجْبُوْراً عَلَى الإِبْحَاْرِ

وَ الذِّكْرَيَاْتُ تَطُوْفُ حَوْلِي بَعْدَ مَاْ
فَاْرَقْتُ أَغْلَىْ الدُّوْرِ ؛ وَ الدَّيَّاْرِ

30 : وَ سَمِعْتُ – مِنْ أُمِّيْ - كَلاْماً طَيِّباً
كَالشَّهْدِ يَجْرِيْ مِنْ عُيُوْنِ جِرَاْرِ

لَمَّاْ وَقَفْنَاْ لِلْوَدَاْعِ ؛ وَ لَمْ نَكُنْ
نَبْكِيْ كَمَنْ يَبْكِيْ عَلَى الدِّيْنَاْرِ

لَكِّنَّنَاْ كُنَّاْ نَرَىْ أَوْطَاْنَنَاْ
تُكْوَىْ بِنَاْرِ الْخّاْئِنِ الْغَدَّاْرِ

تُشْوَىْ ؛ وَ مَاْ مِنْ فُرْصَةٍ لِمُخَلِّصٍ
أَوْ ثَاْئِرٍ شَهْمٍ مِنَ الثُّوَّاْرِ

وَ تَوَاْلَتِ الأَعْوَاْمُ - بَعْدَ فِرَاْقِنَاْ -
و غَرِقْتُ فِيْ بَحْرٍ مِنَ الأَخْطَاْرِ

وَ مَضَتْ ثَلاثٌ ، ثُمَّ سَبْعٌ ، بَعْدَهَاْ
عَشْرٌ ، وَ قَلْبِيْ فِيْ دِيَاْرِ بَوَاْرِ

عُشْرُوْنَ عَاْماً ، وَ الأُمُوْمَةُ تَشْتَكِيْ
مِنْ شِدَّةِ الإِرْهَاْبِ لِلأَحْرَاْرِ

عُشْرُوْنَ عَاْماً !! كَالطَّرِيْدِ مُهَجَّراً
فِيْ عَاْلَمِ الْحَدَّاْدِ وَ الْبِيْطَاْرِ

لاْ أَسْتَطِيْعُ زِيَاْرَةَ الْوَطَنِ الَّذِيْ
أَضْحَىْ ضَحِيَّةَ عُصْبَةِ الْجَزَّاْرِ

بَطَشَتْ بِشَعْبِهِ طُغْمَةٌ هَمَجِيَّةٌ
وَ تَبَجَّحَتْ بِفَظَاْعَةِ الأَوْزَاْرِ

40 : سَجَنَتْ سُرَاْةَ شُعُوْبِنَاْ بِشُيُوْخِهِمِ
وَ شَبَاْبِهِمْ فِيْ أَسْوَإِ الأَوْكَاْرِ

وَ تَفَرَّقَ الشَّمْلُ الْحَبِيْبُ ، وَ هَاْجَرَتْ
– مِنَّا - الأُلُوْفُ كَهِجْرَةِ الأَطْيَاْرِ

لَكِنَّ بَعْضَ الطَّيْرِ يَرْجِعُ حِيْنَمَاْ
يَأْتِي الرَّبِيْعُ بِحُلَّةِ الأَشْجَاْرِ

وَ تَمُوْتُ آلاْفُ الطُّيُوْرِ – غَرِيْبَةً !!
مَنْسِيَّةً - بِحَدَاْئِقِ الأَزْهَاْرِ

أَمَّاْ أَنَاْ ؛ فَقَدِ ابْتَعَدْتُ ، وَ لَمْ أَمُتْ
لَكِنَّنِيْ كَالْغُصْنِ دُوْنَ ثِمَاْرِ !!

كَالْغُصْنِ ؛ وَ الأَعْوَاْمُ تَنْشُرُ أَضْلُعِيْ
وَ الْغُصْنُ لاْ يَقْوَىْ عَلَى الْمِنْشَاْرِ

فَرْداً حَزِنْتُ ، وَ مَاْ فَرِحْتُ ، وَ لاْ أَتَىْ
خَبَرٌ يُفَرِّجُ كُرْبَةَ الْمُحْتَاْرِ

وَ غَرِقْتُ فِي الأَحْزَاْنِ - بَعْدَ تَفَاْؤُلِيْ -
فَهَتَفْتُ بِالطَّبَّاْلِ ؛ وَ الزَّمَّاْرِ :

كُفَّاْ ؛ فَمَاْ قَرْعُ الطُّبُوْلِ بِنَاْفِعٍ
– أَبَداً – وَ لاْ التَّزْمِيْرُ بِالْمِزْمَاْرِ

إِنِّيْ سَئِمْتُ مِنَ الْحَيَاْةِ ، وَ مَاْ بِهَاْ
مِنْ كَثْرَةِ الأَخْطَاْرِ وَ الإِخْطَاْرِ

50 : وَ فَقَدْتُ أُمِيْ نَاْئِياً ، وَ مُهَجَّراً
فِيْ لُجَّةِ الإِحْبَاْطِ ؛ وَ الإِصْرَاْرِ

فَأَضَعْتُ بُوْصِلَةَ النَّجَاْةِ ؛ بِفَقْدِهَاْ
وَ فَقَدْتُ يَنْبُوْعاً مِنَ الإِيْثَاْرِ

وَ رَجَعْتُ كَالطِّفْلِ الصَّغِيْرِ – مُوَلْوِلاً -
أَتَجَنَّبُ الأَمْوَاْجَ كَالْبَحَّاْرِ

لَكِنَّ مَوْجَ الْحُزْنِ أَغْرَقَ مَرْكَبِيْ
وَ تَحَطَّمَ الْمِجْدَاْفُ ؛ بَعْدَ الصَّاْرِيْ

وَ فَقَدْتُ مَنْ فَجَعَ الأَحِبَّةَ مَوْتُهَاْ
وَ الْمَوْتُ حَقٌّ ؛ مَاْ بِهِ مِنْ عَاْرِ

لَكِنَّهُ مُرٌّ ؛ يُفَرِّقُ شَمْلَنَاْ
بِصَرَاْمَةٍ ؛ كَالصَّاْرِمِ الْبَتَّاْرِ

فَصَرَخْتُ : وَاْ أُمَّاْهُ !! وَ ارْتَدَّ الصَّدَىْ
مُتُفَاْوِتَ الإِخْفَاْءِ ؛ وَ الإِظْهَاْرِ

و بَكَيْتُ مَجْرُوْحَ الْفُؤَآدِ ؛ مُنَاْجِياً:
أُمِّيْ ، بِدَمْعٍ نَاْزِفٍ مِدْرَاْرِ

لاَ أَرْتَجِيْ أُماًّ سِواكِ ؛ وَ لَيْسَ لِيْ
إِلآكِ مِنْ عَوْنٍ ؛ وَ مِنْ أَنْصَاْرِ

و أَعَدْتُ : وا أُمَّاْهُ !! دُوْنَ إِجَاْبَةٍ
تُغْنِيْ عَنِ الأَبْرَاْرِ ، وَ الأَشْرَاْرِ

60 : وَ غَرِقْتُ فِي الْحَسَرَاْتِ ؛ بَعْدَ فِرَاْقِهَاْ
- فَرْداً - وَ لَمْ أَسْمَرْ مَعَ السُّمَّاْرِ

فَرْداً ؛ غَرِيْبَاً ؛ نَاْئِياً ؛ وَ مُهَجَّراً ؛
وَ مُطَوَّقاً بِوَسَاْئِلِ الإِنْذَاْرِ

لَكِّنَّنِيْ مِنْ أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ
مَحْمُوْدَةِ الإِيْرَاْدِ ؛ وَ الإِصْدَاْرِ

غَدَرَ الزَّمَاْنُ بِهَاْ ، وَ فَرَّقَ شَمْلَهَاْ
فِي الْكَوْنِ بَيْنَ حَوَاْضِرٍ ؛ وَ قِفَاْرِ

وَ طَغَتْ عَلَيْهَاْ الْحَاْدِثَاْتُ ؛ فَكَسَّرَتْ
مِنْ شَعْبِهَا؛ الْفَخَاْرَ بَالْفَخَّاْرِ

هِيَ أُمَّةٌ !! شَاْهَدْتُهَاْ مَقْتُوْلَةً
مَاْ بَيْنَ رِعْدِيْدٍ ؛ وَ وَحْشٍ ضَاْرِ

هِيَ أُمَّةٌ عَرَبِيَّةٌ ؛ قَدْ سَلَّمَتْ
مَحْصُوْلَ مَاْ زَرَعَتْ إِلَى النُّظَّاْرِ

فَتَقَاْسَمَ النُّظَّاْرُ زَهْرَ تُرَاْثِهَاْ
بِمَشَاْرِطِ الأَنْيَاْبِ ؛ وَ الأَظْفَاْرِ

حَتَّىْ إِذَاْ وَقَعَ الْبَلاْءُ ؛ وَ خُدِّرَتْ
بِالسِّحْرِ ، وَ انْقَاْدَتْ إِلَى السَّحَّاْرِ

قَاْمَتْ جُمُوْعُ الأُمَّهَاْتِ إِلَى الْوَغَىْ
ثَكْلَى الْقُلُوْبِ ، قَوِيَّةَ الإِصْرَاْرِ

70 : فَدُمُوْعُهَنْ : جَدَاْوِلٌ رَقْرَاْقَةٌ
وَ جُيُوْبُهُنَّ : مَنِيْعَةُ الأَزْرَاْرِ

وَ قُلُوْبُهُنَّ : مَشَاْعِلٌ وَضَّاْءةٌ
وَ وُجُوْهُهُنَّ : جَلِيْلَةُ الإِسْفَاْرِ

يَصْنَعْنَ - مِنْ جُبْنِ الرِّجَاْلِ - شَجَاْعَةً
مَمْزُوْجَةً بِجَسَاْرَةِ الْمِغْوَاْرِ

مِنْهُنَّ أُمِّيْ ، وَ الأُمُوْمَةُ نِعْمَةٌ
عُلْوِيَّةٌ تَعْلُوْ عَلَى الأَطْوَاْرِ

لَمْ أَدْرِ ؛ كَيْفَ فَقَدْتُهَاْ ؟ فِيْ غُرْبَةٍ
مَرْفُوْضَةٍ ؛ طَاْلَتْ وَرَاْءَ بِحَاْرِ

لَكِنَّنِيْ أَحْسَسْتُ أَنَّ خَيَاْلَهَاْ
كَالنُّوْرِ - يُوْمِضُ دَاْئِماً - بِجِوَاْرِيْ

و يُنِيْرُ لِيْ دَرْبَ الْهِدَاْيَةِ ؛ وَ التُّقَىْ
وَ مَنَاْقِبَ الْعُبْدَاْنِ ؛ وَ الأحْرَاْرِ

وَ يَقُوْلُ لِيْ : مَاْزِلْتُ أَحْيَاْ بَيْنَكُمْ
– سِراًّ - وَ أَسْتَعْصِيْ عَلَى الأَبْصَاْرِ

لَكِنَّ أَصْحَاْبَ الْبَصَاْئِرِ قَدْ رَأَوْا
– بالسِّرِّ - مَا اسْتَخْفَىْ مِنَ الأَسْرَاْرِ

فَأَجَبْتُ : فِعْلاً ؛ قَدْ شَعَرْتُ بِطَيْفِهَاْ
كَنَسَاْئِمِ الْفِرْدَوْسِ فِي الأَسْحَاْرِ

80 : وَ أَنَاْرَ لِيْ كُلَّ الدُّرُوْبِ ؛ وَ أَسْفَرَتْ
شَمْسٌ تُشِعُّ النُّوْرَ فِي الأقْمَاْرِ

أَنْوَاْرُ أُمِّيْ لاْ تُحَدُّ - كَحُبِّهَاْ
وَ حَنَاْنِهَاْ - بِمَنَاْعَةِ الأَسْوَاْرِ

أُمِّي تَسِيْرُ بِجَاْنِبِيْ - في غُربتي -
و تُنِيْرُ لِيْ طُرُقاً بِكُلِّ مَسَاْرِ

تَجْتَاْزُ حُرَّاْسَ الْحُدُوْدِ ؛ حَنُوْنَةً
و تُبَدِّدُ الأَوْهَاْمَ بِالأَنْوَاْرِ

وَ تَبُثُّ - فِيْ رَوْعِيْ - ثَبَاْتاً مُطْلَقاً
بِعَدَاْلَةِ اللهِ ؛ الرَّحِيْمِ ؛ الْبَاْرِيْ

وَ تُلَطِّفُ الْحُزنَ الْمُخَيِّمَ بَعْدَ مَاْ
سَاْلَتْ دُمُوْعُ الْقَوْمِ كَالتَّيَّاْرِ

وَ تُنِيْرُ لِيْ دَرْباً ؛ وَ لَيْلاً مُظْلِماً
عِنْدَ اضْطِرَاْبِيْ ، وَ اضْطِرَاْبِ قَرَاْرِيْ

ضَاْءتْ - بِنُوْرِ اللهِ جَلَّ جَلاْلُهُ -
كَالْفَجْرِ ؛ وَ انْطَلَقَتْْ مَعَ الأَطْيَاْرِ

لِتَصُوْغَ مَلْحَمَةَ الْوَفَاْءِ – مِنَ الْهُدَىْ -
حَتَّىْ يَصِيْرَ اللَّيْلُ مِثْلَ نَهَاْرِ

فَأَرَىْ دُرُوْبَ الْحَقِّ - بَعْدَ ضَلاْلَةٍ -
مَكْشُوْفَةً ؛ تَبْدُوْ بِلاْ أَسْتَاْرِ

90 : لأَسِيْرَ فِيْ دَرْبِ الْهِدَاْيَةِ – حَسْبَمَاْ
رَسَمَتْهُ أُمِّيْ - رغْمَ كُلِّ غُبَاْرِ

فَالأُمُّ - فِيْ لَيْلِ الْمَكَاْرِهِ - شُعْلَةٌ
وَ الأُمُّ يَنْبُوْعٌ لِكُلِّ فَخَاْرِ

وَ الأُمُّ - فِي الْلَيْلِ الْبَهِيْمِ - مَنَاْرَةٌ
تَحْنُوْ عَلَى الْوَلَدِ الْغَرِيْبِ السَّاْرِيْ

وَ الأُمُّ - إِنْ بَخِلَ الْجَمِيْعُ -كَرِيْمَةٌ
وَ عَطَاْؤُهَاْ مُتَوَاْصِلُ الأَطْوَاْرِ

لَكِنَّ مَوْتَ الأُمِّ ؛ يُعْقِبُ - فِي الْحَشَاْ
والْقَلْبِ - شُعْلَةَ مَاْرِجٍ مِنْ نَاْرِ

كَمْ كُنْتُ أَرْجُوْ أَنْ أُقَبِّلَ قَبْرَهَاْ
وَ أَخِرَّ مَغْشِيًّا عَلَى الأَحْجَاْرِ

لأُخَبِّرَ الأُمَّ الْحَنُوْنَ بِأَنَّنِيْ
- مِنْ بَعْدِهَاْ - الْمَفْؤُوْدُ دُوْنَ عَقَاْرِ

صَاْرَتْ حَيَاْتِيْ - بَعْدَ أُمِّيْ - مَسْرَحاً
لِلدَّمْعِ ؛ وَ الآهَاْتِ ؛ وَ التَّذْكَاْرِ

أُمَّاْهُ !! طَيْفُكِ - دَاْئِماً - يَحْيَاْ مَعِيْ
وَ يَقُوْلُ لِيْ : جَاْهِدْ مَعَ الأَطْهَاْرِ

فَلِذَاْ سَأَبْقَىْ مَاْ حَيِيْتُ مُجَاْهِداً
عَسْفَ الطُّغَاْةِ ، وَ بَاْطِلَ الْفُجَّاْرِ

100 : أَنَا لَنْ أُسَاْوِمَ ؛ إِنْ تَفَاْوَضَ بَاْئِعٌ
مَهْمَا تَنَاْزَلَ سَاْدَةُ السِّمْسَاْرِ

إِنَّ الْوَفَاْءَ - لِرُوْحِ أُمِّيْ - يَقْتَضِيْ
حِفْظَ الْحُقُوْقِ بِهِمَّةٍ ؛ وَ وَقَاْرِ

وَ لِرُوْحِهَاْ مِنِّي التَّحِيَّةُ كُلَّمَاْ
لَمَعَتْ سُيَوْفُ الْحَقِّ بِالْمِضْمَاْرِ

وَ لِرُوْحِهَاْ مِنِّي التَّحِيَّةُ كُلَّمَاْ
جَاْدَتْ غُيُوْمُ الْحُبِّ بِالأَمْطَاْرِ

وَ لِرُوْحِهَاْ ؛ رُوْحِيْ الْفِدَاْءُ ؛ لِتُفْتَدَىْ
مَرْفُوْعَةَ الأَعْلاْمِ ؛ وَ الأَكْوَاْرِ

105 : أُمِّي الْقَرِيْبَةُ – مِنْ فُؤَآدِيَ - دَاْئِماً
لَمْ يَنْفِهَاْ نَفْيٌ ، وَ بُعْدُ مَزَاْرِ

امي الحبيبة - شعر الهادي آدم

0


منْ كَانَ يَسقينيِ ومنْ ذا يطعمُ
وأنَا علىَ مَهدِي أصمُّ وأَبكـــــمُ
مَنْ ذَا يُترجِم ُ صرختِي ويحيلُهاَ
معنىً فَيُدرِكُ ما أقولُ ويَفهـمُ
مَنْ ذا يطيعُ أوامرِي وَمنِ الَّذِي
فِي لَيلِه وَنهارهِ أتحكَّـــــــــمُ
أُمِّي وَيا لَفُؤادِهاَ مِـــنْ جِنــَّةٍ
كمْ ذَا نَعِمْتُ بهِاَ وَكَمْ ذَا أَنعـمُ
كمْ كُنتُ أملأُ لْيَلهاَ ونهارها
عبثاً يضيقُ الصَّدرُ عنهُ فتحلـُمُ
ولكمْ مّرِضْتُ فلمْ يُحالِفُ جَفنهاَ
غُمضٌ فتَسهدُ والبريةُ نُوَّمُ
أشكُو فتشكُو ما أُحِسّ كأنّنِي
مِنْ جِسمهاَ عضوٌ يزال َفُيعدمُ
حتىّ إِذا كَشفَ السقامُ قِنَاعهُ
عنْ مّقلتيَّ وزالَ ماتَتَوهّــــمُ
طفرتْ دُموعُ البِشرُ تَرسمُ فرحةً
فيهاَ الحنانُ العبقريّ مجســمٌ
حاشاَ الأُمومةُ ما نسيتُ حقوقهاَ
وعهودِهاَ فهيَ الأبرُ الأرحــمُ

لسوف أعود يا أمي

2
لسوف أعود يا أمي
أقبّل رأسك الزاكي
أبثك كل أشواقي
وأرشف عطر يمناك
أمرغ في ثرى قدميك
خدي حين ألقاك
أروي الترب من دمعي
سرورا في محياك
فكم أسهرت من ليل
لأرقد ملأ أجفاني
وكم أظمأت من جوف
لترويني بتحناني
ويوم مرضت لا أنسى
دموعا منك كالمطر
وعينا منك ساهرة
تخاف علي من خطر
ويوم وداعنا فجرا
وما أقساه من فجر
يحار القول في وصف الذي
لاقيت من هجري
وقلت مقولة لا زلــت
مدّكرا بها دهري
محال أن ترى صدرا
أحن عليك من صدري
ببرك يا منى عمري
إله الكون أوصاني
رضاؤك سر توفيقي
وحبك ومض إيماني
وصدق دعائك انفرجت
به كربي وأحزاني
ودادك لا يشاطرني
به أحد من البشر
فأنت النبض في قلبي
وأنت النور في بصري
وأنت اللحن في شفتي
بوجهك ينجلي كدري
إليك أعود يا أمي
غدا أرتاح من سفري
ويبدأ عهدي الثاني
ويزهو الغصن بالزهر




لسوف أعود يا أمي

أقبّل رأسك الزاكي
أبتّك كل أشواقي
وأرشف عطر يمناك
أمرغ في ثرى قدميك
خدي حين ألقاك
أروي الترب من دمعي
سرورا في محياك

أم المعتز - نزار قباني

0

نزار قباني
1
كسمكةٍ اخترقها رمحْ
جاءني هاتفٌ من دمشقَ يقولْ:
"أُمُّكَ ماتتْ".
لم أستوعب الكلمات في البدايَهْ
لم أستوعب كيف يمكن أن يموت السَمَكُ كلُّهُ
في وقتٍ واحدْ..

في رثاء الأم - للشاعر محمود مفلح

2

مالي سمعتُ كأنْ لم أسمعِ الخبرا
 هل صار قلبيَ في أضلاعه حَجرا ؟

مالي جمدتُ فلم تهتزَّ قافيتي
ولا شعرتُ ولا أبصرتُ من شعرا

كأنَّ كلَّ سواقي الشعر قد أسِنت
من جففَّ الشعرَ من بالشعرِ قد غدرا ؟

لسوف أعود يا أمي

7
لسوف أعود يا أمي
أقبل رأسك الزاكي

أبثك كل أشواقي
وأرشف عطر يمناك

أحن إلى خبز أمي - محمود درويش

7


أحنّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
فكّرت يومًا بالرحيل، فحطّ حسّونٌ على يدها ونام.
وكان يكفي أن أداعب غصن داليةٍ على عجلٍ...
لتدرك أنّ كأس نبيذي امتلأت.
ويكفي أن أنام مبكّرًا لترى منامي واضحًا،
فتطيل ليلتها لتحرسه...
ويكفي أن تجيء رسالةٌ منّي لتعرف أنّ عنواني تغيّر،
فوق قارعة السجون، وأنّ
أيّامي تحوّم حولها... وحِيالَها
أمّي تعدّ أصابعي العشرين عن بعدٍ.
تمشّطني بخصلة شعرها الذهبيّ.
تبحث في ثيابي الداخليّة عن نساءٍ أجنبيّاتٍ،
وترفو جوربي المقطوع.
لم أكبر على يدها كما شئنا:
أنا وهي، افترقنا عند منحدر الرّخام... ولوّحت سحبٌ لنا،
ولماعزٍ يرث المكان.
وأنشأ المنفى لنا لغتين:
دارجةً... ليفهمها الحمام ويحفظ الذكرى،
وفصحى... كي أفسّر للظلال ظلالَها!
ما زلت حيًّا في خضمّك.
لم تقولي ما تقول الأمّ للولد المريض.
مرضت من قمر النحاس على خيام البدو.
هل تتذكرين طريق هجرتنا إلى لبنان،
حيث نسيتني ونسيت كيس الخبز [كان الخبز قمحيًّا].
ولم أصرخ لئلاّ أوقظ الحرّاس.
حطّتني على كتفيك رائحة الندى.
يا ظبيةً فقدت هناك كناسها وغزالَها...
لا وقت حولك للكلام العاطفيّ.
عجنت بالحبق الظهيرة كلّها.
وخبزت للسّمّاق عرف الديك.
أعرف ما يخرّب قلبك المثقوب بالطاووس،
منذ طردت ثانيةً من الفردوس.
عالمنا تغيّر كلّه، فتغيّرت أصواتنا.
حتّى التحيّة بيننا وقعت كزرّ الثوب فوق الرمل،
لم تسمع صدًى.
قولي: صباح الخير!
قولي أيّ شيء لي لتمنحني الحياة دلالها.
هي أخت هاجر.
أختها من أمّها.
تبكي مع النايات موتى لم يموتوا.
لا مقابر حول خيمتها لتعرف كيف تنفتح السماء،
ولا ترى الصحراء خلف أصابعي لترى حديقتها على وجه السراب،
فيركض الزّمن القديم
بها إلى عبثٍ ضروريٍّ:
أبوها طار مثل الشركسيّ على حصان العرس.
أمّا أمّها فلقد أعدّت،
دون أن تبكي، لزوجة زوجها حنّاءها،
وتفحّصت خلخالها...
لا نلتقي إلاّ وداعًا عند مفترق الحديث.
تقول لي مثلاً: تزوّج أيّة امرأة من
الغرباء، أجمل من بنات الحيّ.
لكن، لا تصدّق أيّة امرأة سواي.
ولا تصدّق ذكرياتك دائمًا.
لا تحترق لتضيء أمّك، تلك مهنتها الجميلة.
لا تحنّ إلى مواعيد الندى.
كن واقعيًّا كالسماء.
ولا تحنّ إلى عباءة جدّك السوداء،
أو رشوات جدّتك الكثيرة،
وانطلق كالمهر في الدنيا. وكن من أنت حيث تكون.
واحمل عبء قلبك وحده...
وارجع إذا اتّسعت بلادك للبلاد وغيّرت أحوالها...
أمّي تضيء نجوم كنعان الأخيرة،
حول مرآتي
وترمي، في قصيدتي الأخيرة، شالها

صباح الخير يا حلوة صباح الخير يا قديستي الحلوة - نزار قباني

18
نزار قباني

صباحَ الخيرِ يا حلوه..
صباحَ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
***
أنا وحدي..
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا..
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..
وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً.. ولم أكبر؟
***
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ..
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمتهِ..
***
وماتَ أبي ..
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ..
وتسألُ عن جريدتهِ..
وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-
عن فيروزِ عينيه..
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..
دنانيراً منَ الذهبِ..
***
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"
إلى تحتي..
إلى كتبي..
إلى أطفالِ حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ.. يا أمي
ووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
***
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا مآذنها..
تضيءُ على مراكبنا كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..
قد زُرعت بداخلنا..
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا..
***
أتى أيلولُ يا أماهُ..
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ..
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
***
دمشقُ، دمشقُ.. يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ..
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ
***
نزار قباني

الشعراء:

#علاء_سالم إبراهيم أبو زيد إبراهيم اليازجي إبراهيم جمال إبراهيم طوقان إبراهيم عمر الأمين إبراهيم عيسى إبراهيم محمد إبراهيم إبراهيم ناجي ابن الجوزي ابن الخياط ابن الدهان ابن الرومي إبن الفارض ابن الفارض ابن القيم ابن المعتز ابن النبيه المصري ابن حزم الأندلسي إبن خلدون ابن خلدون ابن رزيق البغدادي ابن زيدون ابن سهيل الأندلسي ابن عبد ربه ابن عربي ابن نباتة المصري أبو إسحاق الألبيري ابو الاسود الدؤلي أبو البقاء الرندي أبو العتاهية أبو العلاء المعري أبو القاسم الشابي أبو تمام أبو صخر الهذلي أبو فراس الحمداني أبو نواس أبيات أبيات، علاء سالم إحسان البني أحمد الصافي النجفي أحمد المنعي أحمد بخيت أحمد رامي أحمد شوقي أحمد فتحي أحمد مطر أدب روسي مترجم أدب عربي إدريس جماع ادريس جماع أدونيس أسعد الغريري أشعار الثورة العربية أغاني أطفال الأخطل الصغير الإشبيلي الأصمعي الأعشى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الإمام الشافعي الإمام الشوكاني الإمام علي بن أبي طالب الأمير عبد الله الفيصل الباخرزي البحتري البرعي الثورة السورية الحطيئة الحلاج الخبز أرزي الرافعي الرصافي السمؤال السهروردي الشاب الظريف الشاعر القروي الشريف الرضي العباس بن الأحنف القشيري القيرواني المتنبي المجاهد المصري النابلسي الناشئ الأكبر النيسابوري الهادي آدم الهبل الواواء الدمشقي أم حمادة الهمذانية أماني العربي أمرؤ القيس امرؤ القيس أمل الشيخ أمل دنقل أمين ناصر الدين أنور سلمان أنور سليمان إيليا أبو ماضي بدر شاكر السياب بدوي الجبل بشار بن برد بلبل الغرام الحاجري بهاء الدين زهير تحميل كتب تميم البرغوثي جبران خليل جبران جرير جعفر ماجد جلال الدين الرومي جليلة رضا جميل الساعدي جميل بثينة حافظ إبراهيم حامد زيد حذيفة العرجي حسان بن ثابت حسن شحاتة حسن مرواني حكم وأقوال مأثورة حمزة شحاتة حنين عمر خالد الحصيني خليل فواز د. جمال مرسي د. مانع سعيد العتيبة د. مصطفى محمود دلال البارود دواوين كاملة ديك الجن رابعة العدوية رباعيات رثاء رسل راكان رشيد الخوري روائع روائع نثرية روائع٢ روضة الحاج رياض بن يوسف زكي الياسري زكي مبارك زهير السيلاوي سعاد الصباح سعيد يعقوب شاعر شؤون عربية وإسلامية شعر إسلامي شعر الثورة المصرية شعر الحب والغزل شعر الحكمة شعر الغزل الصريح شعر روسي مترجم شعر سياسي شعر عن الأم شعر مترجم شعراء شكسبير صالح الشرنوبي صباح الحكيم صبحي ياسين صريع الغواني صفوان التجيبي صفي الدين الحلي طرفة بن العبد عازر نجار عباس العقاد عبد الرازق عبد الواحد عبد الرحمن العشماوي عبد الرحمن يوسف عبد السلام رزيق عبد العزيز المذهل عبد العزيز جويدة عبد الغفار الأخرس عبد الله البردوني عبد الله الشبراوي عبد الناصر الشيخ عبد الواسع السقاف عبدالرازق عبدالواحد علاء جانب علاء سالم علاء_سالم علي الجارم علي بن الجهم علي بن هارون المنجم علي صالح القرعاوي علي فريد علي محمود طه عمر أبو ريشة عمر الفرا عُمَر الفرا عمر بن أبي ربيعة عمر طش عنترة بن شداد عيسى جرابا غادة السمان غازي القصيبي غزل فاحش فاروق النمر فاروق جويدة فاروق شوشة فالح بن طفلة فتى الشاطئ فهد العسكر فواز اللعبون قصائد بصوت فيروز قصائد مسموعة قصائد مغناة بصوت كاظم الساهر قيس بن الملوح قيس بن ذريح قيس لبنى كامل الشناوي كريم العراقي كريم معتوق كعب بن زهير لسان الدين الخطيب ماجد عبدالله مانع سعيد العتيبة محمد البياسي محمد الشهاوي محمد المقرن محمد جانب محمد جمال حجازي محمد جنيدي محمد شكر محمد شهاب الدين العربي محمد علوان محمد محمود الزبيري محمود حسن إسماعيل محمود درويش محمود سامي البارودي محمود غنيم مختارات مميزة مريد البرغوثي مصطفى حامد مصطفى صادق الرافعي مصطفى قاسم عباس مصطفى لطفي المنفلوطي مصعب السحيباني مظفر النواب معن بن أوس مقالات سياسية مـقـالاتــي مقولات من نوادر العرب من هنا وهناك مناسبات منية بن صلاح ميسون السويدان نازك الملائكة نجم الحصيني نجيب سرور نزار قباني نزار قباني - شعر سياسي نزار قباني ٢ نشوى جرار نور سليمان هاشم الرفاعي هالا محمود هشام الجخ وئام الليثي وداد العاقل وشاح إشبيليا ولادة بنت المستكفي ويليام شكسبير ياسر الأقرع يحيى السماوي يحيى توفيق حسن يزيد بن معاوية