أنـا ابن الشـــقاء
ربيب (الزريبــة والمصطبــة)
وفي قـريتي كلهم أشـــقياء
وفي قـريتي (عمدة) كالإله
يحيط بأعناقنــا كالقـدر
بأرزاقنـا
بما تحتنــا من حقول حبالى
يـلدن الحياة
وذاك المساء
أتانـا الخفيـر ونادى أبي
بأمر الإله !.. ولبى أبي
وأبهجني أن يقـال الإله
تنـازل حتى ليدعـو أبى !
تبعت خطاه بخطو الأوز
فخورًا أتيه من الكبرياء
أليس كليم الإله أبي
كموسى.. وإن لم يجئه الخفـير
وإن لم يكن مثـله بالنبي
وما الفرق ؟.. لا فرق عند الصبي !
وبينا أسير وألقى الصغار أقول “اسمعوا..
أبي يا عيـال دعـاه الإله” !
وتنطـق أعينهم بالحسـد
وقصر هنالك فوق العيون ذهبنـا إليه
– يقولون.. في مأتم شـيدوه
ومن دم آبائنا والجدود وأشلائهم
فموت يطوف بكل الرءوس
وذعر يخيم فــوق المقــل
وخيل تدوس على الزاحفــين
وتزرع أرجلهــا في الجثث
وجداتنــا في ليـالي الشـتاء
تحدثننا عن سـنين عجـاف
عن الآكلين لحـوم الكلاب
ولحم الحمير.. ولحم القطط
عن الوائدين هناك العيال
من اليأس.. والكفر والمسغبة
“ويوسف أين ؟”.. ومات الرجاء
وضــل الدعـاء طريق السـماء
وقــام هنـالك قصر الإلـه
يـكاد ينـام على قـريتي
– ويــكتم كالطود أنفاسها
ذهبنـا إليــه
فلما وصــلنا.. أردت الدخول
فمد الخفــير يدًا من حـديد
وألصقني عند باب الرواق
وقفت أزف أبي بالنظــر
فألقـى السلام
ولم يأخذ الجالسـون السلام !!
رأيت.. أأنسى ؟
رأيت الإله يقوم فيخلع ذاك الحـذاء
وينهـال كالسـيل فوق أبي !!
أهــذا.. أبي ؟
وكم كنت أختـال بين الصغـار
بأن أبي فــارع “كالملك” !
أيغدو ليُعنى بهــذا القِصر ؟!
وكم كنت أخشـاه في حَبْيـه
وأخشى إذا قـام أن أقعدا
وأخشى إذا نام أن أهمسـا
وأمي تصب على قدميه بإبريقهـا
وتمسح رجليه عند المساء
وتلثم كفيـه من حبهـا
وتنفض نعليه في صمتهـا
وتخشى علــيه نســيم الربيــع !
أهـذا.. أبي ؟
ونحن نقول إذا أعجزتنا الأمور “أبي يستطيع !”
فيصعد للنخـلة العـاليـة
ويخـدش بالظفر وجــه السـما
ويغلب بالكف عزم الأسـد
ويصنع ما شــاء من معجزات !
أهـذا.. أبي
يسامُ كأن لم يكن بالرجـل
وعـدت أســير على أضـلعي
على أدمعى.. وأبث الكـدر
“لمـاذا.. لمـاذا ؟”
أهلت السـؤال على أميـه
وأمطرت في حجرهــا دمعيــه
ولكنهــا أجهشــت باكـيه
“لمـاذا أبى ؟”
وكان أبي صـامتا في ذهول
يعلق عينيه بالزاوية
وجـدي الضرير
قعيد الحصـير
تحسسني وتولى الجـواب:
“بنى.. كذا يفعل الأغنيــاء بكل القرى” !
#نجيب_سرور