تركتني ها هنا بين العذاب و مضت ، يا طول حزني و اكتئابي
تركتني للشقا وحدي هنا و استراحت وحدها بين التراب
حيث لا جور و لا بغي و لا ذرّة تنبي و تنبي بالخراب
حيث لا سيف و لا قنبلة حيث لا حرب و لا لمع حراب
حيث لا قيد و لا سوط و لا ظالم يطغى و مظلوم يحابي
***
خلّفتني أذكر الصفو كما يذكر الشيخ خيالات الشباب
و نأت عنّي و شوقي حولها ينشد الماضي و بي – أوّاه – ما بي
و دعاها حاصد العمر إلى حيث أدعوها فتعيا عن جوابي
حيث أدعوها فلا يسمعني غير صمت القبر و القفر اليباب
موتها كان مصابي كلّه و حياتي بعدها فوق مصابي
***
أين منّي ظلّها الحاني و قد ذهبت عنّي إلى غير إياب
سحبت أيّامها الجرحى على لفحة البيد و أشواك الهضاب
ومضت في طرق العمر فمن مسلك صعب إلى دنيا صعاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بها فاطمأنّت تحت أستار الغياب
***
آه " يا أمّي " و أشواك الأسى تلهب الأوجاع في قلبي المذاب
فيك ودّعت شبابي و الصبا وانطوت خلفي حلاوات التصابي
كيف أنساك و ذكراك على سفر أيّامي كتاب في كتاب
إنّ ذكراك ورائي و على وجهتي حيث مجيئي و ذهابي
كم تذكّرت يديك وهما في يدي أو في طعامي و شرابي
كان يضنيك نحولي و إذا مسّني البرد فزنداك ثيابي
و إذا أبكاني الجوع و لم تملكي شيئا سوى الوعد الكذّاب
هدهدت كفاك رأسي مثلما هدهد الفجر رياحين الرّوابي
***
كم هدتني يدم السمرا إلى حقلنا في ( الغول ) في ( قاع الرحاب )
و إلى الوادي إلى الظلّ إلى حيث يلقي الروض أنفاس الملاب
و سواقي النهر تلقي لحنها ذائبا كاللطف في حلو العتاب
كم تمنّينا و كم دلّلتني تحت صمت اللّيل و الشهب الخوابي
***
كم بكت عيناك لمّا رأتا بصري يطفا و يطوي في الحجاب
و تذكّرت مصيري و الجوى بين جنبيك جراح في التهاب
***
ها أنا يا أمّي اليوم فتى طائر الصيت بعيد الشهاب
أملأ التاريخ لحنا وصدى و تغني في ربا الخلد ربابي
فاسمعي يا أمّ صوتي وارقصي من وراء القبر كالحورا الكعاب
ها أنا يا أمّ أرثيك و في شجو هذا الشعر شجوي و انتحابي .