سأظل أحيا غُربتي متفردا
عُمراً مضى، وأنا هناك على المدى
أرنو لأيامي تمر كأنها
سفَرُ القَوافِل، لا تُناخُ بلا فِدى
يا حسرة الأيام، تخنقني السنو
ن، ولست أجرؤ أن أمدَّ لها يدا!
متفردٌ في عُزلتي بصبابتي
لا الليل يسمعني، ولا رَجع الصدى
أقتاد حُزني في المساء، فلا أنا
أجدُ الطريق، ولا المساء تمرّدا
آآه لمْ أحيا فُؤادً مُوجعاً
تركَ الصباح به الجراح، وباعدَ
أوسَعت عمري بالجراح، فلا أنا
أحيا كباقي النّاس، أو ألقى الردى!
في الليل تتبعني الظُنون بظلها
وعلى صُخور التَّل ألتَحِفُ المدى
وأنام في عاتي الرياح! وليس لي
من دُنيَتي إلا حياتي المُبتدا
ذهب الذين ظننت أن لا يرحلوا
وقَعدتُ في أثَر المليحةِ مُقعدا
أدَعُ الحياة تدبُّ في آثارها
والموت في قلبي، يموت مجُددا
ما أقصر الأيام، تسرقني السنو
ن، ولست أجرؤ أن أمد لها يدا!
***
آآه لم أحيا هناك بمفردي
وأهُبُ في وجه الجبال مُنددا
الشاةُ تدعو للإياب صِغارها
وأنا أزيد على الصُخور تبلُّدا
والنَّسر يفردُ في الغُروب ظلاله
وأزيد في وهَج الغروب تمددا
والبُوم تُرسل للمساء تحيةً
وأزيد في صَخب الظلال تنهُدا
وأتى المساء! وكان يقصدني المسا
ءُ بظله وببرده مُتوددا
كان المساء بطبعه مُستهتراً
نَده الضياع، فقمت لبيَّت النِّدا
***
يا للأزقةِ والحواري النائمات
خبت الشُّموع، ولم أزل مُتوقدا
في الشارع الموبوء تدفعني الريا
ح، لتَنطفي فيَّ الجِراح مُجددا
فأضم ثوبي، والمساء يحفني
وأرى الطريق عن الطريق تبددا
وتثور عيني بالدموع، فلا أرى
غير الظلام يلُفني مُتعمِّدا
قِطع "الجرائد" كم تنوء بخطوتي
إن جُبتُ أرجاء المدينة مُفردا
أحصيت أضواء الطريق فما وج
دت على النوافذ من لهيبكِ موعدا
ولقد مضيتُ على الطريق وليس
لي، يا نفس إلا أن أسيرَ مُجددا
***
يا للأزقة! كم تناهى طُولها
وأنا أسير، لغُربتي مُتقلدا
أفنيت أيَّام الشباب وراءها
قدري الشقاء! وأن أظلَ مُهددا
في الليل.. تصرعني الظُنون ألا ترى
يا ليل، كم أمضي هناك بلا هُدى
قدر الرياح بأن تظلَّ طليقةً
وأنا قضاي، بأن أظل مُقيدا
الناس تعشق، والحياة جميلةٌ
وأنا!! على هذا التراب مُصفَّدا!!
الخوف قيدٌ! والملامة صِنوه
والحُلم!! عار للفقير إذا بدا!
وإذا عشقتَ! فليس يُشبعك الهوى
وإذا كرهت؟ فليس يجديك العِدا
وإذا صمدت! فسوف تكسرك الحيا
ة، وإن هربت! فسوف تفنيها سُدى
ما أطول الأيام حين نعُدها!!
لكنها تفنى كما يفنى النَّدى!!!!!!