#ولادة_وابن_زيدون.. أشهر عاشقين في الأندلس..
أشهر نساء الأندلس، وإحدى أميرات بني أمية.
ابنة الخليفة "المستكفي بالله"، أمها جارية إسبانية اسمها "سكرى"، ورثت عنها بشرتها البيضاء، وشعرها الأصهب، وعينيها الزرقاوين. رفعت الحجاب للمرة الأولى في تاريخ الأندلس.
معظم ما يذكره المؤرخون عنها يتصل بمجلسها الأدبي الذي أقامته بعد موت أبيها، وكان يحضره الكثيرون من وجهاء القوم في قرطبة، بين مثقفين وشعراء وأدباء، ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب، بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.
إنها الشاعرة والأميرة ولادة بنت المستكفي.
اشتهرت ببيتي شعر، قيل إنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها بماء الذهب:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكّن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
من ضمن من كانوا يحضرون ندوتها الأدبية، الشاعر ابن زيدون، الذي وقع في غرامها، وبادلته الحب والهيام.
ولادة كانت -تقريبا - الشاعرة العاشقة العربية الوحيدة، التي كان لها موقف واضح وصريح من الرجل الذي أحبته، وأعلنت ذلك في أشعارها وقصائدها.
اللقاء الأول الذي جمع بين العاشقين، كان في مدينة قرطبة الأندلسية، تحت ظلال الأشجار، فأنشب الحب سهامه في قلبيهما، وجعل أحدهما ملجأ الآخر وملاذه، لكن القصة كان لها فصل آخر حزين.
وحكت أشعار ابن زيدون مأساته مع ولادة، في العديد من القصائد، أشهرها نونيته التي مطلعها:
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا ..وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
للأسف، لم تكتمل قصة العاشقين، لأسباب مختلفة، قال بعض النقاد إن الوزيرُ ابنُ عبدوس نافس ابنَ زيدون على قلب ولادة، فهجاه ابن زيدون برسالة ساخرة عرفت في التاريخ باسم "الرسالة الهزلية"، فدبر ابن عبدوس وأعوانه للشاعر العاشق مكيدة، لإبعاده عن طريق ولادة، وقع فيها بالفعل، وحكم عليه بالسجن، وفيه راح يدبج قصائد خالدة عن حبه ولوعة الفراق.
وأرجعت رواية أخرى انفصال العاشقين للغيرة، وهي القصة الأقرب للواقع، حيث إن ابن زيدون شاب وشاعر ووزير، وكانت له بالضرورة تعاملاته التي تغضب ولادة وتجرح كبرياءها، مثل مغازلته بعض جواريها لإثارة غيرتها.
ومما يروى في ذلك، أن ابن زيدون استمع يوما إلى جارية ولادة "عُتبة " وهي تغني، فطلب منها أن تعيد ما قالته، فغضبت ولادة وهجته بأبيات قالت في بعضها:
لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا
لم تهَو جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصنا مثمرا بجماله
وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
والرواية الثالثة، أن القطيعة حدثت بسبب نقد ابن زيدون لبيت شعري، قالت فيه ولادة:
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلاً
بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
حيث رأى ابن زيدون أن البيت أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له، فاصطدمت شاعرية ولادة المتضخمة، بذات ابن زيدون الناقدة، وحدثت القطيعة.
وهناك من يرى أن القطيعة سببها انضمام ابن زيدون لحركة "الجهاورة" المعادية لبني أمية، وولادة ابنة خليفة أموي.
وكي تنتقم لكبريائها، اتخذت الوزير ابن عبدوس وسيلتها، فكلما جرحها ابن زيدون، تمايلت نحو خصمه، وكلما خانها ترفّقت بغريمه، فغضب ابن زيدون منها، عندما بلغه أنها تستقبل ابن عبدوس الذي كان ينتظر بفارغ الصبر الفرصة لزيارة مجلسها، فقال عنها:
أكرم بولادة ذخرا لمذخر
كم فرقت بين بيطارٍ وبيطار
قالوا أبو عامرٍ أضحى يُلم بها
قلت الفراشة تدنو من النار
أكلٌ شهيٌ أصبنا من أطايبه
بعضٌ وبعض صفحنا عنه للفأر
ولكن رغم غضب ابن زيدون منها، لم يستطع نسيانها أو كرهها، بل عاد يطلب رضاها قائلا:
لو أنني واقعت عمدا خطيئة
لما كان بدعا من سجاياك أن تملي
فلم أستثر "حرب الفجار " ولم أطع
مسيلمة إذا قال إني من الرسل
هي النعل زلت بي فهل أنت مكذب
لقيل الأعادي إنها زلة الحسد
ولما رضيت عنه، وسامحته، أرسلت إليه أبياتا تخبره بقدومها:
ترقب إذا جن الليل زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالبدر لم يلُح
وبالنجم لم تطلع وبالنجم لم يسر
وكتبت عن لوعة فراقهم قائلة:
أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق
سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي
وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا
أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ
فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة
لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي
تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي
وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي
سَقى اللَه أرضا قد غدت لك منزلاً
بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ
ومات ابن زيدون، وماتت ولادة، وبقي حبهما يحكي، وأشعارهما تخلد ذكراهما على مر التاريخ.
****************
الموضوع من تجميع وسرد/ الأستاذة إنعام صيام
(منقول من صفحة الشعر العذري على الفيسبوك)
أشهر نساء الأندلس، وإحدى أميرات بني أمية.
ابنة الخليفة "المستكفي بالله"، أمها جارية إسبانية اسمها "سكرى"، ورثت عنها بشرتها البيضاء، وشعرها الأصهب، وعينيها الزرقاوين. رفعت الحجاب للمرة الأولى في تاريخ الأندلس.
معظم ما يذكره المؤرخون عنها يتصل بمجلسها الأدبي الذي أقامته بعد موت أبيها، وكان يحضره الكثيرون من وجهاء القوم في قرطبة، بين مثقفين وشعراء وأدباء، ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب، بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.
إنها الشاعرة والأميرة ولادة بنت المستكفي.
اشتهرت ببيتي شعر، قيل إنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها بماء الذهب:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكّن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
من ضمن من كانوا يحضرون ندوتها الأدبية، الشاعر ابن زيدون، الذي وقع في غرامها، وبادلته الحب والهيام.
ولادة كانت -تقريبا - الشاعرة العاشقة العربية الوحيدة، التي كان لها موقف واضح وصريح من الرجل الذي أحبته، وأعلنت ذلك في أشعارها وقصائدها.
اللقاء الأول الذي جمع بين العاشقين، كان في مدينة قرطبة الأندلسية، تحت ظلال الأشجار، فأنشب الحب سهامه في قلبيهما، وجعل أحدهما ملجأ الآخر وملاذه، لكن القصة كان لها فصل آخر حزين.
وحكت أشعار ابن زيدون مأساته مع ولادة، في العديد من القصائد، أشهرها نونيته التي مطلعها:
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا ..وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
للأسف، لم تكتمل قصة العاشقين، لأسباب مختلفة، قال بعض النقاد إن الوزيرُ ابنُ عبدوس نافس ابنَ زيدون على قلب ولادة، فهجاه ابن زيدون برسالة ساخرة عرفت في التاريخ باسم "الرسالة الهزلية"، فدبر ابن عبدوس وأعوانه للشاعر العاشق مكيدة، لإبعاده عن طريق ولادة، وقع فيها بالفعل، وحكم عليه بالسجن، وفيه راح يدبج قصائد خالدة عن حبه ولوعة الفراق.
وأرجعت رواية أخرى انفصال العاشقين للغيرة، وهي القصة الأقرب للواقع، حيث إن ابن زيدون شاب وشاعر ووزير، وكانت له بالضرورة تعاملاته التي تغضب ولادة وتجرح كبرياءها، مثل مغازلته بعض جواريها لإثارة غيرتها.
ومما يروى في ذلك، أن ابن زيدون استمع يوما إلى جارية ولادة "عُتبة " وهي تغني، فطلب منها أن تعيد ما قالته، فغضبت ولادة وهجته بأبيات قالت في بعضها:
لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا
لم تهَو جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصنا مثمرا بجماله
وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
والرواية الثالثة، أن القطيعة حدثت بسبب نقد ابن زيدون لبيت شعري، قالت فيه ولادة:
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلاً
بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
حيث رأى ابن زيدون أن البيت أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له، فاصطدمت شاعرية ولادة المتضخمة، بذات ابن زيدون الناقدة، وحدثت القطيعة.
وهناك من يرى أن القطيعة سببها انضمام ابن زيدون لحركة "الجهاورة" المعادية لبني أمية، وولادة ابنة خليفة أموي.
وكي تنتقم لكبريائها، اتخذت الوزير ابن عبدوس وسيلتها، فكلما جرحها ابن زيدون، تمايلت نحو خصمه، وكلما خانها ترفّقت بغريمه، فغضب ابن زيدون منها، عندما بلغه أنها تستقبل ابن عبدوس الذي كان ينتظر بفارغ الصبر الفرصة لزيارة مجلسها، فقال عنها:
أكرم بولادة ذخرا لمذخر
كم فرقت بين بيطارٍ وبيطار
قالوا أبو عامرٍ أضحى يُلم بها
قلت الفراشة تدنو من النار
أكلٌ شهيٌ أصبنا من أطايبه
بعضٌ وبعض صفحنا عنه للفأر
ولكن رغم غضب ابن زيدون منها، لم يستطع نسيانها أو كرهها، بل عاد يطلب رضاها قائلا:
لو أنني واقعت عمدا خطيئة
لما كان بدعا من سجاياك أن تملي
فلم أستثر "حرب الفجار " ولم أطع
مسيلمة إذا قال إني من الرسل
هي النعل زلت بي فهل أنت مكذب
لقيل الأعادي إنها زلة الحسد
ولما رضيت عنه، وسامحته، أرسلت إليه أبياتا تخبره بقدومها:
ترقب إذا جن الليل زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالبدر لم يلُح
وبالنجم لم تطلع وبالنجم لم يسر
وكتبت عن لوعة فراقهم قائلة:
أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق
سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي
وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا
أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ
فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة
لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي
تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي
وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي
سَقى اللَه أرضا قد غدت لك منزلاً
بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ
ومات ابن زيدون، وماتت ولادة، وبقي حبهما يحكي، وأشعارهما تخلد ذكراهما على مر التاريخ.
****************
الموضوع من تجميع وسرد/ الأستاذة إنعام صيام
(منقول من صفحة الشعر العذري على الفيسبوك)