أبتاه ماذا قد يخٌط بناني
والسيف والجلادٌ ينتظراني ؟؟
هذا الكتاب إليكَ من زنزانةٍ
مقرورةٍ صخرية الجدران
لم تبقى إلا ليلة أحيا بها
وأحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست أشك في
هذا وتحمل بعدها أكفاني
***
الليل من حولي هدوء قاتلٌ
والذكريات تمور في وجداني
ويهدني ألمي فأنشد راحتي
في بضع آيــات من القرآن
والنفس بين جوانحي شفافة
دبّ الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أؤمن بالإله ولم أذق
إلا أخيراً لذة الإيمـــان
***
والصمت يقطعه رنين سلاسلٍ
عبثت بهن أصابع السجاني
ما بين آونة تمر وأختها
يرنو إلي بمقلتي شيطان
من كوةٍ بالباب يرقب صيده
ويعود في أمنٍ إلى الدوران
أنا لا أحس بأي حقدٍ نحوه
ماذا جنى فتمسه أضغاني ؟
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي
لم يبد في ظمأ إلى العدوان
لكنه إن نام عنّي لحظـــةً
ذاق العيال مرارة الحرمان
فلربما - وهو المروع سحنةً
لو كان مثلي شاعرٌ لرثاني
أو عاد - من يدري إلى أولاده
يوماً ، تذكر صورتي فبكاني
وعلى الجدار الصلب نافذة بها
معنى الحياة غليظة القضبان
قد طالما شارفتها متأملاً
في السائرين على الأسى اليقظان
فأرى وجوماً كالضباب مصوراً
مافي قلوب الناس من غلياني
نفس الشعور لدى الجميع وإن هم
كتموا وكان الموت في إعلاني
ويدور همس في الجوانح : ماالذي
بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟
أو لم يكن خيراً لنفسي أن أرى
مثل الجموع أسير في إذعاني
ما ضرني لو قد سكت وكلّما
غلب الأسى بالغت في الكتماني
هذا دمي سيسيل يجري مطفئاً
ما ثار في جنبي من نيراني
وفؤادي الموار في نبضاته
سيكف من غده عن الخفقاني
والظلم باقٍ لن يحطم قيده
موتي ولن يودي به قرباني
ويسير ركب البغي ليس يضيره
شاةٌ إذا إجتثت من القطعان
***
هذا حديث النفس حين تشف عن
بشريّتي وتمور بعد ثواني
وتقول لي : أن الحياة لغاية
أسمى من التصفيق للطغياني
أنفاسك الحرة وإن هي أخمدت
ستظل تعمر أفقهم بدخاني
وقروح جسمك وهو تحت سياطهم
قسمات صبحٍ يتقيه الجاني
دمع السجين هناك في أغلاله
ودم الشهيد هنا سيلتقياني
حتى إذا ما أفعمت به الرٌبا
لم يبق غير تمرد الفيضاني
ومن العواصف ما يكون هبوبها
بعد الهدوء وراحة الرباني
إن إحتدام النار في جوف الثرى
أمرٌ يثير حفيظة البركاني
وتتابع القطرات ينزل بعده
سيل يليه تدفق الطوفاني
فيموج يقتلع الطغاة مزمجراً
أقوى من الجبروت والسلطاني
***
أنا لست أدري هل ستذكر قصتي
أم سوف يعدوها وحي النسياني ؟
أو أنني سأكون في تاريخنا
متآمراً أم هادم الأوثاني
كل الذي أدريه أن تجرعي
كأس المذلة ليس في إمكاني
لو لم أكن في ثورتي متطلباً
غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة ، لا قيد لا
إرهاب ، لا إستخفاف بالإنسان
فإذا سقطت ، سقطت أحمل عزتي
يغلي دم الأحرار في شرياني
***
أبتاه إن طلع الصباح على الدنا
وأضاء نور الشمس كل مكان
واستقبل العصفور بين غصونه
يوماً جديداً مشرق الألوان
وسمعت أنغام التفاؤل ثرةً
تجري لعى فم بائع الألبان
وأتي يدق كما تعود بابنا
سيدق باب السجن جلادان
وأكون بعد هنيهةٍ متأرجحاً
في الحبل مشدوداً إلى العيدان
ليكن عزاءك أن هذا الحبل ما
صنعته في هذي الربوع يدان
نسجوه في بلدٍ يشع حضارةً
وتضاء منه مشاعل العرفان
أو هكذا زعموا . وجيئ به إلى
بلد الجريح على يد الأعوان
***
أنا لا أريدك أن تعيش محطماً
في زحمة الآلام والأشجــان
إن ابنك المصفود في أغلاله
قد سيق نحو الموت غير مدان
فإذكر حكاياتٍ بأيام الصبا
قد قلتها لي عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نشيج أمي في الدجى
تبكي شباباً ضاع في الريعان
وتكتم الحسرات في أعماقها
ألماً تواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفح عني ، وإنني
لا أبتغي منها سوى الغفران
ما زال في سمعي رنين حديثها
ومقالها في رحمةٍ وحنان
***
إبني ، إني قد غدوت عليلةً
لم يبق لي جلد على الأحزان
فإذق فؤادي فرحةً بالبحث عن
بنت الحلال ودعك من عصياني
كانت لها أمنية ريانةً
يا حسن آمال لها وأمالـي
والآن لا أدري بأي جوانـحٍ
ستبيت بعدي أم بأي جنان
هذا الذي سطرته لك يا أبي
بعض الذي يجري بفكرٍ عان
لكن إذا انتصر الضياء ومزقت
بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويكبر همتي
من كان في بلدي حليف هوان
وإلى لقـــاءٍ تحت ضـــــل عدالـــةٍ
قديسـة الأحــكام والميـــزان