نزار قباني |
كتبتِ لي يا غاليَهْ ..
كتبتِ تسألينَ عن إسبانيَهْ
عن طارقٍ ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانيهْ..
عن عُقْبة بن نافعٍ
يزرعُ شَتْلَ نخلةٍ ..
في قلب كلِّ رابيَهَ ..
سألتِ عن أُميَّةٍ ..
سألتِ عن أميرها معاوية ..
عن السرايا الزاهيَةْ
تحملُ من دمشقَ .. في ركابِها
حضارةً .. و عافيَهْ ..
لم يبقَ في إسبانيَهْ
منّا ، و من عصورنا الثمانيَةْ
غيرُ الذي يبقى من الخمرِ ،
بجوف الآنيَهْ ..
و أعينٍ كبيرةٍ .. كبيرةٍ
مازال في سوادها ينامُ ليلُ الباديَهْ ..
لم يبقَ من قُرطبةٍ
سوى دموع المئذنات الباكيَهْ
سوى عبير الورد ، و النارنْج و الأضاليَهْ ..
لم يبقَ من ولاّدةٍ و من حكايا حبِّها ..
قافيةٌ .. و لا بقايا قافيَهْ ..
*
لم يبقَ من غرناطةٍ
و من بني الأحمر .. إلا ما يقولُ الروايَهْ
و غيرُ ( لا غالبَ إلاَّ الله )
تلقاكِ بكلِّ زاويةْ ..
لم يبقَ إلاّ قصرُهُم
كامرأة من الرخام عاريَهْ ..
تعيشُ- لازالتْ- – على
قصَّة حبٍّ ماضيَهْ ..
*
مضَتْ قرونٌ خمسةٌ
مُذْ رَحَلَ ( الخليفَةُ الصغيرُ ) عن إسبانيَهْ
و لم تزلْ أحقادُنا الصغيرَةْ ...
كما هيَهْ ..
و لم تزل عقليَّةُ العشيرَهْ
في دمنا كما هيَهْ
حوارُنا اليوميُّ بالخناجرِ ..
أفكارُنا أشبهُ بالأظافرِ
مضَتْ قرونٌ خمسةٌ
و لا تزال لفظةُ العروبَهْ
كزهرةٍ حزينةٍ في آنيَهْ ..
كطفلةٍ ، جائعةٍ .. و عاريَهْ
نصلُبُها .. على جدار الحقد و الكراهيَهْ ..
*
مضَتْ قرونٌ خمسةٌ .. يا غاليَهْ
كأنَّنا .. نخرجُ هذا اليومَ من إسبانيَهْ