نزار قباني |
1
كل عام وأنتِ حبيبتي ..
أقولها لكِ ،
عندما تدق الساعة منتصف الليل
وتغرق مياه السنة الماضية في مياه أحزاني
كسفينة مصنوعة من الورق ..
أقولها لك على طريقتي ..
متجاوزاً كل الطقوس الاحتفالية
التي يمارسها العالم منذ 1975 سنة ..
وكاسراً كل تقاليد الفرح الكاذب
التي يتمسك بها الناس منذ 1975 سنة ..
ورافضاً كل العبارات الكلاسيكية ..
التي يرددها الرجال على مسامع النساء
منذ 1975 سنة ..
2
كل عام وأنتِ حبيبتي ..
أقولها لكِ بكل بساطة ..
كما يقرأ طفل صلاته قبل النوم
وكما يقف عصفور على سنبلة قمح ..
فتزداد الأزاهير المشغولة على ثوبك الأبيض ..
زهرةً ..
وتزداد المراكب المنتظرة في مياه عينيكِ ..
مركباً ..
أقولها لكِ بكل حرارةٍ ونزق
كما يضرب الراقص الأسباني بالأرض
فتتشكل ألوف الدوائر
حول محيط الكرة الأرضية ..
3
كل عام وأنتِ حبيبتي ..
هذه هي الكلمات الأربع
التي سألفها بشريط من القصب
وأرسلها إليكِ ليلة رأس السنة .
كل البطاقات التي يبيعونها في المكتبات
لا تقول ما أُريده ..
وكل الرسوم التي عليها ..
من شموع ٍ ..وأجراس ٍ ..وأشجارٍ ..وكراتِ ثلج ..
وأطفالٍ ..وملائكة ..
لا تناسبني ..
أنني لا ارتاح للبطاقات الجاهزة ..
و لا للقصائد الجاهزة ..
و لا للتمنيَّات التي برسم التصدير
فهي كلها مصنوعة في باريس ،أو لندن ،أو امستردام ..
ومكتوبة بالفرنسية ،أو الإنكليزية ..
لتصلح لكل المناسبات
وأنت لستِ امرأة المناسبات ..
بل أنتِ المرأة التي احبها ..
أنت هذا الوجع اليومي ..
الذي لا يقال ببطاقات المعايدة ..
ويقال بالحروف اللاتينية ...
ولا يقال بالمراسلة ..
وإنما يقال عندما تدق الساعة منتصف الليل ..
وتدخلين كالسمكة إلي مياهي الدافئة ..
وتستحمين هناك ..
ويسافر فمي في غابات شعرك الغجري
ويستوطن هناك..
4
لأني أُحبكِ ..
تدخل السنة الجديدة علينا ..
دخول الملوك ..
ولأني أُحبكِ ..
احمل تصريحاً خاصاً من الله ..
بالتجول بين ملاين النجوم ..
5
لن نشتري هذا العيد شجرة
ستكونين أنتِ الشجرة
وسأعلق عليكِ ..
أمنياتي ..وصلواتي ..
وقناديل دموعي ..
6
كل عام وأنتِ حبيبتي ..
أمنية أخاف أن أتمناها
حتى لا اتهم بالطمع أو الغرور
فكرة أخاف أن أفكر بها ..
حتى لا يسرقها الناس مني ..
ويزعمون انهم أول من اخترع الشعر ..
7
كل عام وأنتِ حبيبتي ..
كل عام وأنا حبيبُكِ ....
أنا اعرف أنني أتمنى اكثر مما ينبغي ..
ولكن ..
من له الحق أن يحاسبني على أحلامي ؟ .
من يحاسب الفقراء ؟ ..
إذا حلموا انهم جلسوا على العرش
لمدة خمس دقائق ؟
من يحاسب الصحراء إذا توحمت على جدول ماء ؟
هناك ثلاث حالاتٍ يصبح الحلم فيها شرعيا:
حالة الجنون ..
وحالة الشعر ..
وحالة التعرف على امرأةٍ مدهشة مثلكِ ..
وأنا أعاني ..لحسن الحظ ..
من الحالات الثلاثة ..
8
أتركِ عشيرتكِ ..
واتبعيني إلي مغائري الداخلية
أتركِ قبعة الورق ..
وموسيقى الجيرك ..
والملابس التنكرية ..
واجلسي معي تحت شجر البرق ..
وعباءة الشعر الزرقاء ...
سأُغطيكِ بمعطفِ من مطر بيروت
وسأُسقيكِ نبيذاً احمر ..
من أقبية الرهبان ..
وسأصنع لك طبقاً أسبانياً ..
من قواقع البحر ..
اتبعيني _ يا سيدتي _ إلي شوارع الحلم الخلفية ..
فلسوف أطلعكِ على قصائد لم اقرأها لأحد ..
وافتحُ لكِ حقائب دموعي ..
التي لم افتحها لأحد ..
ولسوف أُحبك ِ ..
كما لا أحبكِ أحد ..
9
عندما تدق الساعة الثانية عشره
وتفقد الكرة الأرضية توازنها
ويبدأ الراقصون يفكرون بأقدامهم ..
سأنسحب إلي داخل نفسي ..
وأسحبكِ معي ..
فأنت امرأة لا ترتبط بالفرح العام
ولا بالزمن العام ..
ولا بهذا السيرك الكبير الذي يمر أمامنا ..
ولا بتلك الطبول الوثنية التي تقرع حولنا ..
ولا بأقنعة الورق التي لا يبقى منها في آخر الليل
سو رجل من ورق ..
ونساءٍ من ورق..
10
آهٍ ..يا سيدتي
لو كان الأمر بيدي ..
إذاً لصنعت سنة لك وحدكِ
تفصلين أيامها كما تريدين ..
وتسندين ظهركِ على أسابيعها كما تريدين
وتتشمسين ..
وتستحمين ..
وتركضين على رمال شهورها ..
كما تريدين ..
آهٍ .. يا سيدتي ..
لو كان الأمر بيدي ..
لأقمت عاصمة لكِ في ضاحية الوقت
لا تأخذ بنظام الساعات الشمسية والرملية
ولا يبدأ فيها الزمن الحقيقي
إلا ..
عندما تأخذ يدك الصغيرة قيلولتها ..
داخل يدي ..
11
كل عام ..وعيناكِ أيقونتانِ بيزنطيتان ..
ونهداكِ طفلان أشقران ..
يتدحرجان على الثلج ..
كل عام ..وأنا متورطٌ بكِ ..
وملاحق بتهمة حبكِ ..
كما السماء متهمة بالزرقة
والعصافير متهمة بالسفر
والشفة متهمة بالاستدارة ..
كل عام ..وأنا مضروبٌ بزلزالكِ ..
ومبللٌ بأمطاركِ ..
ومحفورٌ كالإناء الصيني بتضاريس جسمك
كل عام وأنتِ ..لا ادري ماذا اسميكِ ..
اختاري أنتِ أسماءكِ ..
كما تختار النقطة مكانها على السطر
وكما يختار المشط مكانه في طيات الشعر ..
والى أن تختاري اسمك الجديد
اسمحي لي أن أُناديكِ :
(( يا حبيبتي )) ..