أبو القاسم الشابي |
ويخبو توهج تلك الخدود
وتذوي وريدات تلك الشفاه؟
وتهوي إلى الترب تلك النهود؟
وينهد ذاك القوام الرشيق
وينحل صدر، بديع، وجيد
وتربد تلك الوحوه الصباح
وكل إذا ما سألنا الحياة
ويغبر فرع كجنح الظلام
أنيق الغدائر، جعد، مديد
ويصبح في ظلمات القبور
هباء، حقيرا، وتربا، زهيد
وينجاب سحر الغرام القوي
وسكر الشباب، الغرير، السعيد
أتطوى سماوات هذا الوجود؟
ويذهب هذا الفضاء البعيد؟
وتهلك تلك النجوم القدامى ؟
ويهرم هذا الزمان العهيد؟
ويقضي صباح الحياة البديع؟
وليل الوجود، الرهيب، العتيد؟
وشمس توشي رداء الغمام؟
وبدر يضيء، وغيم يجود؟
وضوء، يرصع موج الغدير؟
وسحر، يطرز تلك البرود؟
جليلا، رهيبا، غريبا، وحيد
يضج، ويدوي دوي الرعود؟
وريح، تمر مرور الملاك،
وتخطو إلى الغاب خطو الوليد؟
وعاصفة من بنات الجحيم،
كأن صداها زئير الأسود
تعج، فتدوي حنايا الجبال
وتمشي، فتهوي صخور النجود؟
وطير، تغني خلال الغصون،
وتهتف للفجر بين الورود؟
وزهر، ينمق تلك التلال
وينهل من كل ضوء جديد؟
ويعبق منه أريج الغرام
ونفح الشباب، الحيي، السعيد
أيسطو على الكل ليل الفناء
ليلهو بها الموت خلف الوجود..
وينثرها في الفراغ المخيف
كما تنثر الورد ريح شرود
فينضب يم الحياة ، الخضيم
ويخمد روح الربيع، الولود
فلا يلثم النور سحر الخدود
ولا تنبت الأرض غض الورود
كبير على النفس هذا العفاء!
وصعب على القلب هذا الهموذ!
وماذا على القدر المستمر
لو استمرأ الناس طعم الخلود
ولم يخفروا بالخراب المحيط
ولم يفجعوا في الحبيب الودود
ولم يسلكوا للخلمود المرجى
سبيل الردى ، وظلام اللحود
فدام الشباب، وسحر الغرام،
وفن الربيع، ولطف الورود
وعاش الورى في سلام، أمين
وعيش، غضير، رخي، رغيد؟
ولكن هو القدر المستبد
يلذ له نوحنا، كالنشيد