أبو القاسم الشابي |
دنياك كون عواطف وشعور
شيدت على العطف العميق، وإنها
لتجف لو شيدت على التفكير
وتظل جامدة الجمال، كئيبة
كالهيكل، المتهدم، المهجور
وتظل قاسية الملامح، جهمة
كالموت..، مقفرة ، بغير يرور
لا الحب يرقص فوقها متغنيا
للناس، بين جداول وزهور
متورد الوجنات سكران الخطا
يهتز من مرح، وفرط حبور
متكللا بالورد، ينثر للورى
أوراق ورد "اللذة " المنضور
كلا! ولا الفن الجميل بظاهر
في الكون تحت غمامة من نور
متوشحا بالسحر، ينفخ نايه
بوب بين خمائل وغدير
أو يلمس العود المقدس، واصفا
للموت، للأيام، للديجور
ما في الحياة من المسرة ، والأسى
والسحر، واللذات، والتغرير
أبدا ولا الأمل المجنح منشدا
فيها بصوت الحالم، المحبور
تلك الأناشيد التي تهب الورى
عزم الشباب، وغبطة العصفور
واجعل شعورك، في الطبيعة قائدا
فهو الخبير بتيهما المسحور
صحب الحياة صغيرة ، ومشى بها
بين الجماجم، والدم المهدور
وعدا بها فوق الشواهق، باسما
متغنيا، من أعصر ودهور
والعقل، رغم مشيبه ووقاره،
ما زال في الأيام جد صغير
يمشي..، فتصرعه الرياح..، فينثني
متوجعا، كالطائر المكسور
ويظل يسأل نفسه، متفلسفا
متنطسا، في خفة وغرور:
عما تحجبه الكواكب خلفها
من سر هذا العالم المستور
وهو المهشم بالعواصف.. يا له
من ساذج متفلسف، مغرور!
وافتح فؤادك للوجود، وخله
لليم للأمواج، للديجور
للثلج تنثره الزوابع، للأسى
للهول، للآلام، للمقدور
واتركه يقتحم العواصف..، هائما
في أفقها، المتلبد، المقرور
ويخوض أحشاء الوجود..، مغامرا
في ليلها، المتهيب، المحذور
حتى تعانقه الحياة ، ويرتوي
من ثغرها المتأجج، المسجور
فتعيش في الدنيا بقلب زاجر
يقظ المشاعر، حالم، مسحور
في نشوة ، صوفية ، قدسية ،
هي خير ما في العالم المنظور