أبو القاسم الشابي |
يا ليل ما تصنع النفس التي سكنت
هذا الوجود، ومن أعدائها القدر؟
ترضى وتسكت؟ هذا غير محتمل!
إذا، فهل ترفض الدنيا، وتنتحر؟
وذا جنون، لعمري، كله جزع
باك، ورأي مريض، كله خور!
فإنما الموت ضرب من حبائله
لا يفلت الخلق ما عاشوا، فما النظر؟
هذا هو اللغز، عماه وعقده
على الخليقة ، وحش، فاتك حذر
قد كبل القدر الضاري فرائسه
فما استطاعو له دفعا، ولا حزروا
وخاط أعينهم، كي لا تشاهده
عين، فتعلم ما يأتي وما يذر
وحاطهم بفنون من حبائله
فما لهم أبدا من بطشه وزر
لا الموت ينقذهم من هول صولته
ولا الحياة ، تساوى الناس والحجر!
حار المساكين، وارتاعوا، وأعجزهم
أن يحذروه، وهل يجديهم الحذر
وهم يعيشون في دنيا مشيدة
من الخطوب، وكون كله خطر؟
وكيف يحذر أعمى ، مدلج، تعب
هول الظلام، ولا عزم ولا بصر؟
قد أيقنوا أنه لا شيء ينقذهم
فاستسلموا لسكون الرعب، وانتظروا..
ولو رأوه لسارت كي تحاربه
من الورى زمر، في إثرها زمر
وثارت الجن، والأملاك ناقمة
والبحر، والبر، والأفلاك، والعصر
لكنه قوة تملي إرادتها
سرا، فنعنو لها قهرا، ونأتمر
حقيقة مرة ، يا ليل، مبغضة
كالموت، لكن إليها الورد والصدر
تنهد الليل، حتى قلت: «قد نثرت
تلك النجوم، ومات الجن والبشر
وعاد للصمت..، يصغي في كآبته
كالفيلسوف-إلى الدنيا، ويفتكر..
وقهقه القدر الجبار، سخرية
بالكائنات. تضاحك أيها القدر!
تمشي إلى العدم المحتوم، باكية
طوائف الخلق، والأشكال والصور
وأنت فوق الأسى والموت، مبتسم
ترنو إلى الكون، يبنى ، ثم يندثر