نزار قباني |
أفْتَحُ صُندوقَ أبي
أُمزِّقُ الوصيَّةْ
أبيعُ في المزادِ ما وَرِثْتُهُ :
مَجْموعةُ المسابِحِ العاجيَّةْ
طَرْبوشَهُ التُركيُّ ، والجواربُ الصوفيَّةْ
وعُلْبَةُ النشوقِ ، والسَماوِرُ العتيقُ ، والشمسيَّةْ
أسحبُ سيْفي غاضِباً
وأقْطعُ الرؤوسَ ، والمَفاصِلَ المرخيَّةْ
وأهْدمُ الشرقَ علي أصْحابِهِ
تِكيَّةً . . تِكيَّةْ . .
2
أفْتَحُ صُندوقَ أبي
فلا أري
إلا دراويشَ وموالَِيَّةْ
والعودّ ، والقانونَ ، والبَشارِفَ الشرقيَّةْ
وقِصَّةَ الزير علي حصانِهِ . .
وعاطلينَ يَشْربونَ القَهْوَةَ التُرْكيَّةْ
أسحبُ سيْفي غاضِباً
وأقْتلُ المُعلَّقاتِ العشرَ . . والألفيَّةْ
وأقتلُ الكهوفَ ، والدفوقَ
والأضْرِحَةَ الغبيَّةْ . .
3
أفْتَحُ تاريخَ أبي
أفتحُ أيَّامَ أبي
أرى الذي ليسَ يُرى :
أدعيَةً ، مدائحٌ دينيَّةْ
أوْعيةٌ ، حشائشٌ طبيَّةْ
أدويَةً للقُدْرَةِ الجِنْسيَّةْ
أبحثُ عنْ معْرِفَةٍ تَنْفَعُني
أبْحثُ عنْ كتابَةٍ
تخُصُّ هذا العَصْرَ . . أو تخصُّني
فلا أرى حولي سوى . .
رملٍ وجاهليَّةْ . .
4
أرفُضُ ميراثَ أبي . .
وأرفُضُ الثوبَ الذي ألبَسَني
وأرفُضُ العلمَ الذي علَّمني
وكلَّ ما أورَثَني . .
منْ عُقَدٍ جنسيَّةْ
أرفُضُ ألفَ ليلةٍ وليلةٍ . .
والقُمقُمَ العجيبَ والمارِدَ
والسجَّادةَ السحريَّةْ . .
أرفَض سيفَ الدولةِ المغرورَ
والقصائِدَ الذليلَةَ الغبيَّةْ
أُحرقُ رسمَ أسرتي
أحرقُ أبْجديّتي
ومنْ فلسطينَ ومِنْ صُمودِها . .
مِنْ طَلَقاتِ النارِ في جُرودِها . .
منْ قمْحِها المَغْموسِ بالدمعِ
ومنْ وُرودِها
أصْنَعُ أبْجَديَّةْ . .
5
أدخُلُ مثلَ البرقِ من نافِذةِ الخليفةْ
أراهُ لا يزالُ مثلما تركْتُهُ
منذُ قرونٍ سبعةٍ
مُضاجِعاً جاريَةً روميَّةْ
أقرأُ آياتِ منَ القرآنِ فوقَ رأْسِهِ
مكتوبَةً بأحْرُفٍ كوفيَّةْ
عنِ الجِهادِ في سبيلِ الله والرسولِ
والشريعةِ الحَنَفيَّةْ
أقولُ في سريرتي :
" تبارَكِ الجِهادُ في النُّحورِ والأثْداءِ
والمَعاصِمِ الطَّريَّةْ . . "
يا حضرةَ الخليفةْ
أعْبُرُ منْ سُرادِقِ الحريمِ كالمَنيَّةْ
أمشي علي الأبْدانِ ، والغِلْمانِ
والأساوِرِ المرميَّةْ
أمشي علي . .
توَجُّعِ الحرير والقطيفةْ
أدْخُلُ مثلَ الموتِ منْ نافذَةِ الخليفةْ
يَحْسَبُني مُرْتَزِقاً
دبَّجْتُ في مديحه قصيدةً همزيَّةْ
يأمُرُ لي
من بيتِ مالِ المؤمِنينَ كلَّ ما أَطْلُبُهُ
عباءةً مِنْ قَصَبٍ
وساعةً منْ ذَهَبٍ
ومنْ نساءِ قَصْرِهِ مَحْظيَّةْ
أبْصُقُ فوقَ وَجْهِهِ
وفوقَ وَجْهِ الدولةِ العَليَّةْ
منْ أنتَ ؟
يا سيَّافُ . . اقْطَعْ رأْسَهُ
وهاتِ لي الرأسَ علي صينيَّةْ
يا مَلِكَ الزمانِ . . إن قَتَلْتَني
فمُسْتَحيلٌ تَقْتُلُ الحريَّةْ
6
قُمْ يا طويلَ العُمْرِ . .
منْ حُجرَتِكَ الورْديَّةْ
وافتَحْ شبابيكَكَ . .
للشمسِ ، وللعدْلِ ، وللرعيَّةْ
فما رآكَ الشعبُ من آخر أيَّامِ بني أميَّةْ
هلْ أنتَ حقاً من بني أميَّةْ ؟
أخرجْ إلي الشارعِ يا أميرنا
واقرأ . .
ولوْ صحيفةً يوميَّةْ
اقرأْ . .
عنِ السويسِ والأردنِ والجولانِ
والمدائِنِ السبيَّةْ
عنِ الذين يعبرونَ النهرَ . .
نحْوَ الضِّفَّةِ الغربيَّةْ
هلْ يا طويلَ العُمْرِ . . في بلاطِكُمْ
خريطةٌ صغيرةٌ . .
للضفَّةِ الغربيَّةْ ؟