نزار قباني |
شاحبٌ كما وجهُ يسوع
وهواءُ البحرِ في نيسانَ،
أمطارُ دماءٍ ودموع. .
دخلوا قانا على أجسادِنا
يرفعونَ العلمَ النازيَّ في أرضِ الجنوب ْ
ويعيدونَ فصولَ المحرقة. .
هتلرٌ أحرقهم في غرفِ الغاز ِ
وجاؤوا بعدهُ كي يحرقونا
هتلرٌ هجّرهم من شرقِ أوروبا
وهم من أرضِنا هجّرونا
هتلرٌ لم يجدِ الوقتَ لكي يمحقَهمْ
ويريحَ الأرضَ منهم. .
فأتوا من بعدهِ كي يمحقونا!!
دخلوا قانا كأفواجِ ذئابٍ جائعة. .
يشعلونَ النّار في بيتِ المسيح
ويدوسونَ على ثوبِ الحسين
وعلى أرضِ الجنوب الغالية. .
قصفوا الحنطةَ والزيتونَ والتبغَ،
وأصواتَ البلابل. .
قصفوا قدموسَ في مركبهِ. .
قصفوا البحرَ وأسرابَ النوارس. .
قصفوا حتى المشافي والنساءَ المرضعات
وتلاميذَ المدارس،
قصفوا سحرَ الجنوبيّات
واغتالوا بساتينَ العيونِ العسلية!
ورأينا الدمعَ في جفنِ عليٍّ
وسمعنا صوتهُ وهوَ يصلّي
تحت أمطارِ سماءٍ دامية. .
كشفت قانا الستائر. .
ورأينا أمريكا ترتدي معطفَ حاخامٍ يهوديٍّ عتيق
وتقودُ المجزرة. .
تطلقُ النارَ على أطفالنا دونَ سبب. .
وعلى زوجاتنا دونَ سبب
وعلى أشجارنا دونَ سبب
وعلى أفكارنا دونَ سبب
فهل الدستورُ في سيّدة العالم. .
بالعبريِّ مكتوبٌ لإذلالِ العرب ؟؟
هل على كلِّ رئيسٍ حاكمٍ في أمريكا. .
إذا أرادَ الفوزَ في حلمِ الرئاسةِ
قتلَنا، نحنُ العرب ؟؟
انتظرنا عربياً واحداً
يسحبُ الخنجرَ من رقبتنا. .
انتظرنا هاشمياً واحداً. .
انتظرنا قُرشياًَ واحداً. .
دونكشوتاًَ واحداً. .
قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربهُ. .
انتظرنا خالداً أو طارقاً أو عنتره. .
فأكلنا ثرثره. . وشربنا ثرثره. .
أرسلوا فاكساً إلينا. . استلمنا نصَّهُ
بعدَ تقديمِ التعازي. . وانتهاءِ المجزرة!
ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من صرخاتنا ؟
ما الذي تخشاهُ من "فاكساتنا" ؟
فجهادُ "الفاكسِ" من أبسطِ أنواعِ الجهاد. .
هوَ نصٌّ واحدٌ نكتبهُ
لجميعِ الشهداءِ الراحلين
وجميع الشهداءِ القادمين. . !
ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من ابن المقفّع ؟
وجريرٍ. . والفرزدق. . ؟
ومن الخنساءِ تلقي شعرها عند بابِ المقبره. .
ما الذي تخشاهُ من حرقِ الإطارات. . ؟
وتوقيعِ البيانات ؟ وتحطيمِ المتاجر ؟
وهي تدري أننا لم نكُن يوماً ملوكَ الحربِ. .
بل كنّا ملوكَ الثرثرة. .
ما الذي تخشاهُ من قرقعةِ الطبلِ. .
ومن شقِّ الملاءات. . ومن لطمِ الخدود ؟
ما الذي تخشاهُ من أخبارِ عادٍ وثمود ؟؟
نحنُ في غيبوبةٍ قوميةٍ
ما استلمنا منذُ أيامِ الفتوحاتِ بريداً. .
نحنُ شعبٌ من عجين
كلّما تزدادُ إسرائيلُ إرهاباً وقتلاً
نحنُ نزدادُ ارتخاءً. . وبرودا. .
وطنٌ يزدادُ ضيقاً
لغةٌ قطريةٌ تزدادُ قبحاً
وحدةٌ خضراءُ تزداد انفصالاً
شجرٌ يزدادُ في الصّيف قعوداً. .
وحدودٌ كلّما شاءَ الهوى تمحو حدودا. . !
كيفَ إسرائيلُ لا تذبحنا ؟
كيفَ لا تلغي هشاماً، وزياداً، والرشيدا ؟
وبنو تغلبَ مشغولون في نسوانهم. .
وبنو مازنَ مشغولونَ في غلمانهم. .
وبنو هاشمَ يرمونَ السّراويلَ على أقدامها. .
ويبيحونَ شِفاهاً ونهودا ؟؟!
ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من بعضِ العربْ. .
بعدما صاروا يهودا ؟