نزار قباني |
تَرْشُّ على الشمس حُلْوَ الحِدا . .
كدندنة البدو . . فوق سريرٍ
من الرمل ، ينشفُ فيه النِدا
ومثلَ بُكاء المآذن . . سرتُ
إلى الله ، أجرح صحو المدى
أُعبِّيءُ جيبي نجوماً . . وأَبْني
على مقعدِ الشمس لي مقعدا
ويبكي الغروبُ عَلى شُرفَتِي
ويبكي لأمنحَهُ موعِدَا . .
شراعٌ أنا . . لا يطيقُ الوصولَ
ضَياعٌ أنا . . لا يُريدُ الهُدَى
حُرُوفي ، جموعُ السُنُونُو ، تمدُُّ
على الصَحْو . . معطفَها الأسودَا
أنا الحرفُ . . أعصابُه . . نبضُه
تَمَزُّقهُ قبلَ أن يُولَدَا . .
أنا لبلادي . . لنجْماتِها
لِغَيماتها . . للشِتا . . للندى
سَفَحتُ قواريرَ لوني نُهُوراً . .
على وطني الأخضرِ المفْتَدَى
ونتفتُ في الجوِ ريشي صعوداً
ومن شرفِ الفِكْر أن يصعَدَا
تَخَيَّلتُ حتى جعلتُ العطورَ تُرى
ويشم اهتزاز الصدى. .
بأعراقيَ الحُمْرِ . . إمرأةٌ
تَسيرُ مَعي في مَطاوي الردى
تَفُحُّ . . وتنفخُ في أعظمي
فتجعل من رئتي مَوْقِدا . .
هوَ الجِنسُ أحمِلُ في جَوهري
هَيولاهُ من شاطيء المُبْتَدا
بتركيبِ جسميَ . . جُوعٌ يَحِنُّ
لآخرِ جوعٍ يمد اليدا
أَتحسِبُ أنكَ غيري ؟ ضللتَ
فإنَّ لنا العنصرَ الأوحدا
جمالِكِ مني فلولاي لم تك
شيئاً . . ولولايَ لَنْ تُوجَدَا
ولولاي ما انتفحت وردةً
ولا فَقَع الثَدْيُ أو عربَدَا
صنعتُكَ من أضلعي . . لا تكنْ
جحوداً لصُنعِي أم مُلحِدا
أضَاعَكَ قلبي ، ولما وجدتُكَ
يوماً بدربي . . وجدتُ الهُدَى
عَزَفْتُ . ولم أطلبِ النجمَ بيتاً
ولا كان حلميَ أن أَخْلُدا
إذا قيلَ عني "أحس" كفاني
ولا أطلبُ "الشاعرَ الجيِّدَا"
شعرتُ "بشيءٍ" فكوّنتُ "شيئاً"
بعفويةٍ دون أن أقصِدا
فيا قارئي . . يا رفيقَ الطريقِ
أنا الشفتان . . وأنت الصدى
سألتُكَ بالله . . كُنْ ناعِماً
إذا ما ضَمَمْتَ حُرُوفي غَدَا . .
تذكر وأنت تمرُّ عليها
عذابَ الحروفِ . . لكي توجَدا . .
سأرتاح لم يكُ معنَى وجودي
فُضُولاً . . ولا كان عُمْري سُدى
فما ماتَ من في الزمانِ . .
أَحَبَّ . . ولا ماتَ من غّرَّدا